بعد سيطرة “حماس” على غزة في حزيران 2007، لاغية بذلك اتفاقها مع “فتح” الذي رعته وأشرفت عليه المملكة العربية السعودية، بدأ نفوذ إيران داخلها ينمو باطراد بل يكبر. إذ زوّدت طهران غزة بمساعدات عسكرية وأخرى مالية لمساعدتها على الإيفاء بالتزاماتها المالية. واستمر الدور الإيراني هذا حتى عام 2013 عندما “قطع” خالد مشعل الزعيم السياسي لـ”حماس” مع الرئيس السوري بشار الأسد و”نظامه العلوي” المتحالف مع إيران. وأحد أسباب ذلك كان القمع الأسدي العنيف للمسلمين السنّة في سوريا بعد الثورة التي بدأت عام 2011. لكن “القطع” لم يُجفِّف الدعم الإيراني كلياً. وعلى العكس من ذلك فقد زادت طهران مساعداتها المالية لـ”الحركة” في أثناء العملية العسكرية الواسعة التي نفذتها إسرائيل في غزة. وفي أي حال فإن تقليص الدعم “الشيعي” الإيراني لـ”حماس” لم يمنعها من “البقاء” والاستمرار، وذلك بسبب مساعدات منتظمة وإن غير كبيرة جداً من قطر وتركيا. ورغم كفاحها للوفاء بالتزاماتها المالية فإنها استفادت من تجدّد صداقتها مع الرياض ومن العون الاقتصادي الذي رافق ذلك. والسعودية في شكل أو آخر شريك طبيعي لـ”حماس” أكثر من إيران جرّاء اشتراكهما في انتماء مهم للعروبة والإسلام السنّي.
ما هي الأهداف الاستراتيجية النهائية للسعودية؟
الهدف الأساسي، في رأي العاملين الجديين في مركز أبحاث أميركي واسع الاطلاع، هو بناء تحالف سني وائتلاف عربي قادرين على “تكشيح” الظل الذي نشرته إيران فوق المنطقة. والسعودية تقاتلها الآن على جبهات أو محاور عدة أكثر أهمية من قطاع غزة. فهي تقود ائتلافاً عريضاً لقوى إقليمية من أجل وقف التمدّد الحوثي (الإيراني) في اليمن ومن ثم إلحاق الهزيمة به. وهي تدعم وتساند عدداً من التنظيمات المعادية للأسد في سوريا، وتموّل قبائل عربية عراقية وتجهّزها من أجل تهيئتها لمقاتلة “داعش” في العراق. فضلاً عن ان علاقتها مع السودان تحسّنت جراء عودة الحرارة إلى علاقتها مع “حماس”.
ودعم “حماس”، يشدِّد هؤلاء، يساعد التحالف الاقليمي الذي تقوده السعودية ضد إيران بطرق ثلاث. الأولى التحوّل الداعم الأول والأساسي لـ”حماس” وبذلك تشق المملكة طريقها بقوة في الديناميات الاقليمية للمشرق (levant). وإذا وثّقت “حماس” علاقتها بالرياض فسيكون على مصر واسرائيل أن يتعاملا معها كلما حصل تطوّر يتعلّق بها. وبقدر ما يزداد نفوذ المملكة في المنطقة بقدر ما ستكون الولايات المتحدة مهيأة للاصطفاف معها والمحافظة على مصالحها. والثاني أن دعم “حماس” يسمح للسعودية باكتساب رصيد كبير يمكّنها من محاربة “داعش” المتنامي نفوذه في غزة، وسيؤكد أنها الدولة الإسلامية الأكثر فاعلية اقليمياً. أما الطريقة الثالثة فهي أن تمويل السعودية ودعمها سيقلصان كثيراً اعتماد “حماس” على إيران. كما سيضعفان نفوذها داخل هذه المنظمة الفلسطينية. وذلك يعني أنه لن يبقى لإيران سوى “وكيل” واحد تقاتل بواسطته على أطراف ساحة المعركة الأساسية التي هي قلب سوريا والعراق.
كيف ستساعد السعودية “حماس” مع مصر؟
نتيجة توثّق العلاقة مع “حماس” في الأشهر الماضية، يجيب العاملون أنفسهم في مركز الأبحاث الواسع الاطلاع، تسعى المملكة مع القاهرة لتخفيف القيود عن هذه “الحركة”. ويبدو أنه كان لها دور في امتناع حكومة مصر عن إدراج “حماس” على لائحتها للارهاب، وفي إقناعها بفتح معبر رفح مع غزة وإن على نحو متقطّع. ولعل زيارة مشعل الأخيرة للسعودية واستقبال مليكها سلمان بن عبد العزيز له يشكِّلان الدليل الأهم على متانة علاقة الأخيرة بـ”حماس”. ويردّد هنا البعض من الباحثين أن مشعل أثار مع مسؤولي المملكة إمكان إعادة دفءٍ ما إلى علاقتها بإيران. لكنه لم يلمس تجاوباً كما أنه لم يبدُ مصرّاً. أولاً لأن “حماس” كيان صغير وفقير ويحتاج إلى دعم مستمر توفره السعودية. وثانياً لأن ثقة الأخيرة بإيران معدومة.
ما هي صعوبات أن تكون صديقاً لـ”حماس”؟ هي كثيرة منها تأكُّد المملكة أن علاقتها بـ”حماس” لا تفسد علاقتها بالغرب. ومنها ايضاً عدم إغضاب المملكة بالعلاقة المذكورة، القوى الاقليمية التي تريد أن تكون في التحالف الذي أسسته لمواجهة إيران والارهاب. ومنها مصر “الشكاكة” دائماً في “حماس” بسبب جذورها “الاخوانية”.
لكن التمسّك بالعلاقة وعدم ترك مجال لـ”حماس” كي تخرج منها، مع الاستمرار في مواجهة إيران سياسياً ووكلائها عسكرياً، يمكِّنان المملكة من استعادة دور مهم في المنطقة أو من تأسيس دور كهذا.