IMLebanon

«الممانعة» تميّز بين «حماس الداخل» و»الخارج»

 

 

فتحت زيارة رئيس حركة «حماس» في الخارج خالد مشعل لبيروت ملف العلاقات المهتزّة بين الحركة وحلفاء الامس من محور الممانعة، وهو ما ترجمه الحصار الذي فرض على الزيارة بعد التمييز في التعاطي معه عن «مسؤول الداخل» اسماعيل هنية. فما الذي يؤدي اليه هذا التمييز واسبابه ونتائجه؟

 

لولا زيارة مشعل العلنية لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو مساء امس الاول لما ادرك اللبنانيون انّ قائداً من «حماس» بهذا الحجم قاد الحركة لفترة من الزمن وعُدّ من أهم قادتها كان في زيارة للبنان. فقد كان واضحا ان الزيارة تعرضت لحصار سياسي وحزبي وإعلامي وهو ما طرح مجموعة من الأسئلة حول شكلها وتوقيتها ومضمونها والمواقف من الحركة بعد اكتشاف تصنيف جديد وضعه محور الممانعة لها يفصل في شكل لا لبس فيه بين «حماس» الداخل برئاسة اسماعيل هنية والخارج الذي يقوده مشعل وان كان لكل من أطراف المحور أسبابه الخاصة التي تميّزه عن الآخر.

 

وقبل الدخول في كثير من التفاصيل المتصلة بأشكال الضغوط التي تعرضت لها الزيارة وَجب التوقف أمام اعتراف مراجع فلسطينية مواكبة بأنها تعرضت للحصار السياسي الرسمي على مراحل وبطريقة استباقية ومبكرة ومنها ما تم استلحاقه. فلم يستقبله رئيس الجمهورية ميشال عون، وألغى رئيس مجلس النواب نبيه بري موعدا كان قد حدد له في عين التينة، ولأسباب تتصل بعلاقاتهم الشخصية التقاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في منزله لا في السرايا الحكومية بعيداً من وسائل الإعلام.

 

ولم تقف الامور عند هذا الحد، فقد اضطرت قيادة الحركة في لبنان الى إلغاء مجموعة من الاحتفالات في بيروت ومناطق جنوبية في الذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيسها (14 كانون الأول 1987) على يد مجموعة من قادة جماعة «الإخوان المسلمين» في قطاع غزة، كان أبرزهم الشيخ أحمد ياسين، تزامناً مع اندلاع أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى المعروفة باسم «انتفاضة الحجارة» في 9 كانون الأول، أي قبل ايام على الإعلان عن قيامها مواجهة ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة. وحملت السلاح مباشرة من خلال تأسيس جهازها العسكري الذي سَمّته «المجاهدون الفلسطينيون».

 

وبحسب مصادر الحركة في بيروت فقد تشعبت مصادر الضغوط التي انتهت الى محاصرة الزيارة، وتوزعت الادوار على ثلاثة اطراف التقت عند نتيجة واحدة: إفشالها، او الحد من حركة الوفد ونتائج الجولة التي جاء من اجلها من انقرة الى بيروت بعدما ارجئت اكثر من مرة ومنذ فترة غير قصيرة.

 

وإن توسعت المصادر في شرح الأسباب المختلفة قالت ان طهران سبق لها ان نصحت مشعل بضرورة مصالحة النظام السوري فهو من يتحمل مسؤولية مشاركة فصائل من الحركة في المواجهة مع الجيش السوري في حرب المخيمات المحيطة بدمشق ولا سيما منها مخيم اليرموك، ولم يكن مشعل متجاوبا مع التمني الايراني عندما طلب منه ذلك قبل سنوات قليلة. فقد كانت ولايته في رئاسة الحركة الى افول ولا بد من انتظار انتخاب القيادة الجديدة. ولمّا انتخب اسماعيل هنية لم يوفق في اتخاذ هذه الخطوة بسبب الانقسامات داخل قيادتها فلم يعفِ مشعل من المسؤولية في اعتبار ان قرار المواجهة مع النظام اتخذ إبّان قيادته لها.

 

وان وصلت الى تحديد دور النظام السوري، قالت المصادر، انّ ما طلبه النظام بعد حرب المخيمات في الداخل السوري لم يكن قابلاً للتطبيق، فبقيت الخلافات قائمة ولم تنجح قيادة الحركة في اتخاذ قرار بالمواصفات التي تحيي المصالحة معها واستمرت الخلافات واتخذت اشكالاً مختلفة عززت القطيعة بينهما.

 

وان جاء دور «حزب الله»، تنتهي المصادر لتقول إن الحزب، وبالإضافة إلى الأسباب المتصلة بالشروط السورية والايرانية، كانت له شروطه الخاصة بما جرى على الساحة السورية ولم يغلب ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي غزة والضفة على ما يتصل بالعلاقة مع سوريا وطهران فكان له ما اراد عندما أجرى قادته الاتصالات التي قلّصت من حركة الوفد ومنعته من القيام بالزيارات والاحتفالات التي كان مكتب الحركة في بيروت قد نظّمها.

 

وللاسباب المتصلة بموقف «حزب الله» رواية اخرى للمصادر الفلسطينية عينها، فهي قالت انّ تزامن الزيارة ونتائج الانفجار الذي وقع في مخيم «برج الشمالي» (12 كانون الاول الجاري) ومقتل احد مهندسي السلاح الصاروخي في الحركة ابراهيم شاهين زاد من خوف «الحزب» مما تقوم به الحركة في لبنان من دون علمه. فلما تحدثت اسرائيل عن الترسانة الصاروخية لـ»حماس» في مخيمات لبنان قالت بوجود مركز «برج الشمالي» لتصنيع الصواريخ، لكن الحركة نفت وجوده وجاء الانفجار ليدلّ الى العكس، وهذا ما أثار غيظ الحزب الى درجة قيل انه طلب المشاركة في التحقيقات التي تجريها السلطات الرسمية في الانفجار.

 

وبهذه الصورة البانورامية وزّعت المصادر الفلسطينية المسؤولية على الأطراف الثلاثة فاعتبرت ان «حزب الله» هو من نفّذ الرغبة السورية باستهداف الزيارة بغضّ نظر ايراني. إلا انها راحت أبعد من ذلك لتشير بالتنسيق مع قراءة لبنانية للتطورات الى ان الساحة الفلسطينية و»حماس» إحدى قواها الحية، لن تكون بعيدة من مخاض وتداعيات الحراك الإقليمي في المنطقة وهي ستضطر الى اجراء قراءة جديدة للتطورات تشبه الى حد بعيد القراءة التي يجريها الحوثيون ايضا في اليمن وخصوصا بعد «نكسة مأرب» التي لم تحقق ما كانوا يطمحون اليه من إسقاطها ولم تتجاوب قيادات محور الممانعة بإعطائهم مهلة إضافية لتحقيق خطوة متقدمة في المنطقة نتيجة مشاريع التفاهمات الجارية في بغداد بين السعوديين والإيرانيين قبل ان تنتقل في جزء منها الى العاصمة الاردنية عمان قبل ايام قليلة، وخصوصا بعد تسوية نقل السفير الايراني من اليمن الى بلاده بطائرة عراقية على رغم الملابسات الغامضة حول أسباب تدهور وضعه الصحي.

 

وعليه، تخشى المصادر ان تشهد الساحة الفلسطينية تجاذبات تشبه تلك التي تعيشها الساحات اللبنانية واليمنية والسورية على وقع المفاوضات بين الرياض وطهران بمقدار أكبر بكثير من تلك التي يمكن ان تنتهي إليها مفاوضات فيينا في شأن الملف النووي الايراني، فستصل قنوات المفاوضات على الخطين الى نقطة قد يلتقيان فيها عند متغيرات كبيرة على هذه الساحات تعيد خلط الأوراق مجدداً.

 

والى تلك اللحظة التي يمكن ان نشهد فيها هذه المتغيرات، سيبقى التمييز حاصلا على معظم الساحات اللبنانية واليمنية والسورية كما هو اليوم بين «حماس الداخل» و«حماس الخارج».