Site icon IMLebanon

حماس تضع لبنان أمام خطرين: اجتياح إسرائيلي وحرب أهلية

 

 

 

بعد 40 سنة على خروج ياسر عرفات ومنظمة التحرير من بيروت، تعمل كلٌّ من منظمة حماس والجهاد الاسلامي لتحويل لبنان من جديد الى قاعدة لشن عمليات عسكرية كبيرة ومؤثرة ضد اسرائيل.

تتعرض اسرائيل منذ 8 تشرين الثاني عام 2023 لهجمات صاروخية من داخل الاراضي اللبنانية، الامر الذي يشكل انتهاكاً مباشراً لسيادة لبنان ولمندرجات القرار الدولي رقم 1701، والذي جرى اقراره من مجلس الامن الدولي في عام 2006، من اجل وقف الحرب بين اسرائيل وحزب الله، وتحقيق الامن على طول الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، وبضمانة من قوات «اليونيفيل» وبمؤازرة الجيش اللبناني.

 

تؤكد الهجمات الصاروخية المنطلقة من داخل الاراضي اللبنانية، مع بضع محاولات للتسلل عبر الخط الازرق، وجود قواعد عسكرية لكلّ من حماس والجهاد الاسلامي على الاراضي اللبنانية، وبأن وجودهما لا يشكل ظاهرة طارئة، فرضتها ظروف الحرب المدمرة التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة. لقد نشأت وتنامت قواعد حماس والجهاد الاسلامي في لبنان خلال فترة زمنية طويلة نسبياً، وبتوافق وتشجيع وحماية حزب الله، وبتمويل وتسليح مباشر من ايران.

تؤشر الهجات الصاروخية المتكررة، والتي بدأت قبل هجوم حماس على غلاف غزة، وتكثيفها بعد بداية الحرب الاسرائيلية المستمرة على قطاع غزة بأن حماس والجهاد الاسلامي قد قررتا منذ فترة طويلة تحويل لبنان الى قاعدة عسكرية لشن هجمات ضد الكيان الاسرائيلي.

 

تعمل حماس والجهاد عسكرياً تحت توجيه واشراف حزب الله، والذي يسيطر عسكرياً بشكل كامل على كل جنوب لبنان، بعد ان اثبتت السلطات اللبنانية. وقوات يونيفيل عجزها الكامل عن تنفيذ التزاماتها بتنفيذ مندرجات القرار 1701، والذي نص على الحفاظ على أمن الحدود، وعلى عدم تواجد حزب الله جنوبي نهر الليطاني. ويبدو الآن واضحاً ان حماس والجهاد تعملان من جنوب لبنان تنفيذاً لاستراتيجية وحدة الساحات أو الجبهات، التي اعلنها حزب الله، وبدعم وتخطيط مباشر من قبل ايران.

المؤسف في الامر، بأن هذين الفصيلين الفلسطينيين يشنان هجمات صاروخية كبيرة من داخل الاراضي اللبنانية، كما يحاولان التسلل الى داخل اسرائيل، في ظل تجاهل كامل من قبل السلطات الرسمية اللبنانية، التي غابت كلياً عن النظر والسمع، متخلية بذلك عن حقها الدستوري وواجباتها الدولية في تحقيق سيادة الدولة اللبنانية على اراضيها وعلى حدودها الدولية. لقد التزمت حكومة تصريف الاعمال برئاسة نجيب ميقاتي، والتي يشارك فيها حزب الله وحركة امل، بالاضافة الى التيار الوطني الحر، الصمت المطبق حيال جميع الانتهاكات التي نفذتها هجمات حماس والجهاد للسيادة اللبنانية ولمندرجات القرار الدولي 1701. ويؤشر هذا الصمت الى واحد من احتمالين: الاول، رضى الحكومة عن تحويل لبنان من جديد الى قاعدة مفتوحة للعمل المسلح الفلسطيني ضد اسرائيل بعد خروج منظمة التحرير وقياداتها وقواتها من لبنان تحت ضغط الهجوم الاسرائيلي، الذي وصل الى بيروت عام 1982.

 

والثاني، خضوع الحكومة والاحزاب والقوى المشاركة فيها لإرادة حزب الله وللنفوذ الايراني، وبالتالي تخلّيها عن واجباتها الدستورية.

شنت كتائب عز الدين القسام منذ 15 تشرين الثاني 2023 وحتى نيسان 2024 ما يزيد على 14 هجوماً صاروخياً باتجاه اسرائيل ومن داخل الاراضي اللبنانية. وتتراوح اعداد الصواريخ في كل هجوم ما بين 20 و40 صاروخاً، وبلغت بعض هذه الهجمات مدينة حيفا. كما حاولت كتائب القسام في مرات عدة التسلل واختراق الخط الازرق لشن هجوم مباشر داخل اسرائيل. وكان اللافت في الامر بأن المقاتلين المشاركين في هذه العمليات لم يكونوا من سكان المخيمات الفلسطينية، بل ايضاً من سوريا ومن جنسيات مختلفة.

جاءت عملية اغتيال صالح العاروري ورفاقه في مكتبه في الضاحية الجنوبية بواسطة مسيّرة اسرائيلية في الثاني من كانون الثاني لتؤكد مدى اهمية تحوّل لبنان الى قاعدة عسكرية تشن منها حماس هجماتها على اسرائيل، خصوصاً بعد ان اصدرت قيادة حماس بياناً اعتبرت فيه بأن الاغتيال يعطي الدليل على مدى اهمية «محاربة ومقاومة اسرائيل، والتي يجب ان تتحول لمهمة يضطلع بها جميع اعضاء امتنا الاسلامية». وتعترف قيادات حماس بأن وجودها وعملها العسكري من لبنان يجريان تحت مظلة وحماية حزب الله، «وبأن عملياتها باتت تشكل دعماً هاماً لغزة، وبأنها منسّقة مع حزب الله وباتت تشكّل عنصراً هاماً في مواجهة اسرائيل».

تحذو الجهاد الاسلامي في عملياتها العسكرية نفس الطريق الذي تتبعه حماس، وقد اعلنت منذ تشرين اول الماضي وحتى اليوم عن اسماء شهداء لها قتلوا في مواجهات مباشرة مع الجيش الاسرائيلي في الجنوب،أو بعد تسللهم الى اسرائيل عبر الخط الازرق.

تعتبر حماس بأن وجودها العسكري في لبنان بات يشكل نقطة تحوّل استراتيجي في سياسة المنظمة، وبأنه قد جاء كنتيجة لاستهداف اسرائيل بعض كادراتها الهامة في الخارج، وكانت قيادة حماس قد اعلنت وعلى لسان محمود الزهار في عام 2024، عن نواياها للتمدد في عملياتها العسكرية نحو لبنان وسوريا، وذلك انطلاقاً من وجود بضع مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في هذين البلدين، بالاضافة الى وجود بعض الجماعات والمنظمات الفلسطينية المسلحة في داخل المخيمات في لبنان، والتي حال حزب الله دون نزع سلاحها من قبل الدولة، تنفيذاً لمقررات طاولة الحوار الذي انعقد عام 2006.

لقد اثبتت عمليات حماس في جنوبي لبنان بأنها لم تأتي نتيجة قرار متسرع، بل هي نتيجة عمل منسّق اولاً مع حزب الله كقوة مسيطرة على كل الجنوب، وايضاً نتيجة وجود بنية عسكرية تحتية داخل المخيمات، مع كل ما يتضمن ذلك من ضرورة وجود قيادات عسكرية وكادرات قتالية مدربة ومتخصصة في استعمال الصواريخ.

اظهرت الاجتماعات بين مسؤولي حماس وحزب الله، بمباركة ايرانية بالاضافة الى الزيارات التي قام بها قادة الصف الاول في حماس الى لبنان واجتماعاتهم مع السيد حسن نصر الله امين عام الحزب، بالاضافة الى زيارة اسماعيل هنية الاخيرة لطهران واجتماعه بالمرشد علي خامنئي،أظهرت مدى الترابط والتعاون بين حماس وكلّ من الحزب وايران، وبات معتمداً كقاعدة لهذا التعاون الاقرار بمبدأ ان كل اعتداء اسرائيلي على اي طرف في جبهة الممانعة يعتبر اعتداءً على الجميع، ويتطلب رداً حاسماً من كل اطراف هذا المحور المقاوم والممانع.

يبدو بوضوح بأن حماس وبدعم من حزب الله قد نجحت في فرض نفوذها على المخيمات الفلسطينية في لبنان، وقد جاء ذلك على حساب نفوذ فتح، وهكذا انتقلت حماس في المخيمات من وضع التستر والخفاء الى وضع ظاهر وقوي لا يخشى السلطة اللبنانية ولا التنظيمات الفلسطينية الاخرى، وهذا ما دعا بعض قيادة حماس الى الاعلان بأن المخيمات في لبنان باتت تشكل قوة يعتمد بها كثاني قوة بعد قطاع غزة. ويؤشر مستوى الثقة بالنفس الذي اكتسبته حماس في لبنان واعلانها عن تشكيل فرقة «فرسان طوفان الاقصى» في لبنان بأنها لم تعد تخشى اي رد فعل معارض من قبل السلطة اللبنانية.

ترى قوى المعارضة اللبنانية بأن النشاطات العسكرية لحماس والجهاد الاسلامي هي انتهاك صارخ لسيادة لبنان، وبأنه لم يكن ذلك ممكناً دون دعم حزب الله،  وتذكّر هذه النشاطات بالوجود الفلسطيني برئاسة فتح في السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي، وهي تخشى من ان يؤدي هذا التفلت للسلاح الى غزو اسرائيلي جديد على غرار غزو 1982، او الدفع نحو حزب داخلية يشارك فيها الفلسطينيون وحزب الله.

تدعو الهيمنة التي يفرضها حزب الله على لبنان وخصوصاً في الجنوب والبقاع والضاحية، مع احتكاره لقرار السلم والحرب، الى تكاتف قوى المعارضة وتوحيد جهودها لانتخاب رئيس للجمهورية واعادة تكوين كل السلطات تمهيداً للنهوض واستعادة الدولة لبعض سيادتها المسلوبة، ووقف التدهور الحاصل والذي يمكن ان يؤدي الى شن اسرائيل حرباً مدمرة او الدفع نحو حرب اهلية جديدة.

في النهاية لا بدّ من التساؤل عن وجود ودور الجيش والقوى الامنية في معالجة الانتهاكات المرتكبة من قبل حماس والجهاد الاسلامي وخصوصاً بعد اعلان حماس عن تشكيلها لمنظمة مجاهدي طوفان الاقصى في لبنان، والعمل على الحد من حرية قياداتها في لبنان وزيارات قيادة الصف الاول من المنظمة في المستقبل.

وهكذا في ظل العجز الفعلي للسلطة اللبنانية في مواجهة تنامي وجود المنظمات الفلسطينية في لبنان، وبدعم غير محدود من حزب الله وايران يبقى لبنان معرضاً في أمنة ومستقبله لخطرين: اجتياح اسرائيلي جديد ومدمِّر أو حرب اهلية على غرار الحرب السابقة والتي انتهت مع اتفاق الطائف.