تتموضع حركة حماس شيئاً فشيئاً في الحضن الإيراني. لا تقتصر دلالات هذا التموضع على أدبيات الحركة من تصريحات اسماعيل هنية إلى معظم قادتها الذين طووا مرحلة الالتباس التي فرضها تموضعهم إلى جانب المعارضة السورية، وافتتحوا رحلة العودة الكاملة إلى الممانعة، وصولاً إلى الاستعداد الكامل للمصالحة مع النظام السوري، ما يعني سلوك طريق اللاعودة في التموضع الجديد القديم.
في سياق هذه العودة، كانت زيارة اسماعيل هنية لبيروت، التي لم تكشف جديداً، فهي تأتي في سياق ترتيب البيت الايراني وحلفائه في المنطقة، في توقيت الهدف منه استعمال كل الأوراق الممكنة، في اتجاهين، الأول عربي ويتمثل بمواجهة التحالف العربي الذي ينتظر أن يتبلور بسرعة قبل وبعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة، كما استعداداً لأي طارئ عسكري قد تتعرض له ايران في ما إذا استمرّ الانسداد في مفاوضات فيينا.
في المعلومات إن ما سرّب عن تنسيق مسلح برعاية واحتضان «حزب الله» بين الجماعة الإسلامية في لبنان وحركة حماس بدأ تنفيذه فعلاً، في المخيمات وخارجها، عبر إحياء الجناح العسكري الفجر، ومحاولة السيطرة الحمساوية على المخيمات الفلسطينية، وتضيف المعلومات أن ميزانية كبيرة، تم تخصيصها لتنفيذ هذا الهدف، وأن أعمال التدريب والتسليح القديمة العهد يتم تزخيمها وهي تسير على قدم وساق.
وتشير المعلومات الى أن هذا التحضير سيصطدم حكماً بالفصيل الأساسي حركة فتح اذا استمر سعي «حزب الله» وحماس للسيطرة على المخيمات. فحركة فتح تمثل القرار الوطني الفلسطيني المستقل، وكما في الضفة وغزة (قبل انقلاب حماس) كذلك في لبنان، هناك صراع بين توجهين، الأول ملتزم بالمصلحة الفلسطينية وبهوية القضية الوطنية وعروبتها، والثاني ارتضى أن يكون أداة لإيران في مواجهة المشروع العربي، وألحق بقضية فلسطين أكبر الأضرار.
لهذا لن يكون مشروع السيطرة الميدانية على قرار المخيمات نزهة قصيرة، خصوصاً أن فتح تمسك عملياً وميدانياً بأكبر المخيمات في لبنان، ولن يكون سهلاً على حماس ابتلاع هذه المخيمات وتحويلها الى مناطق يديرها الحرس الثوري الايراني، وبالتالي لن تسمح فتح بغزة ثانية في مخيمات لبنان.
منذ الانقلاب على اتفاق مكة، وحماس تتوغل أكثر في ارتباطها العضوي بإيران، هذا الارتباط الذي تبرره دوماً في أن ايران تقدم المساعدة للحركة. في هذا التبرير ما يناقض المصلحة الوطنية الفلسطينية وما ينتهي إلى وضع القضية الفلسطينية في خدمة مشروع ايران المعادي للعرب وللفلسطينيين. بعد الانقلاب وتأسيس دويلة غزة على أنقاض حلم إنشاء الدولة المستقلة، بدا واضحاً من خلال الحروب التي لم تجلب على غزة إلا الدمار أن حماس تنفذ سياسة ايران بالتوقيت الذي يخدم هذه السياسة.
يكفي استعراض نتائج الحروب التي عانت منها غزة، للتأكد أن مصلحة الشعب الفلسطيني كانت بعيدة كل البعد عن أجندة حماس. في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل التي أديرت من الضاحية الجنوبية باعتراف «حزب الله»، خسر الفلسطينيون معركة رابحة أمام الرأي العام الدولي، فانقلبت الأدوار، ونجحت إسرائيل خلال وبعد هذه الحرب بنفي صورة المعتدي عن نفسها، ولبست دور الضحية، وفي موازين القوى، دمرت إسرائيل غزة لمرة جديدة وزادت بؤس الفلسطينيين الغزاويين بؤساً، وتحمّلت استعراضاً لصواريخ حماس في سماء تل أبيب والقدس، لكنها سلبت القدس قضيتها المتمثلة بالسطو الإسرائيلي على أملاك المقدسيين.
وفي تجربة حماس لاند الجديدة التي تهيّئ لها ايران في لبنان، ستكون النتائج أكثر سوءاً. ففي ظل الالتزام الرسمي الفلسطيني بعدم التدخل بأي شأن لبناني، انسجاماً مع ما أعلنه والتزم به الرئيس محمود عباس، تدخل حماس إلى لبنان كلاعب مكلف من ايران بزرع أداة جديدة لها، تلبس تمويهاً الكوفية الفلسطينية، وتنفذ ما يطلب منها، حين تقتضي الحاجة الايرانية ايصال رسالة بالبريد السريع، وللمفارقة فإن ساعي البريد الحمساوي لم يعد يعبأ بأن يلعب هذا الدور بكل نتائجه الكارثية على الفلسطينيين واللبنانيين.