Site icon IMLebanon

إختراق “حماس” كاد يُشعل حرباً أهلية فلسطينية

 

 

 

لا تستطيع حركة حماس تجاهل الخسائر الفادحة التي تكبّدتها نتيجة انكشاف عمالة القيادي فيها خليل أبو معزة للكيان الإسرائيلي، ولا يمكن التقليل من خطورة هذا الحدث من خلال القول إنّ هذا العميل كان مناصراً ولم يكن مسؤولاً في صفوف «الحركة»، فالوقائع تثبت وصوله إلى مواقع القرار العليا وتمكّنه من صناعة وقائع وتنفيذ اغتيالات في الداخل الفلسطيني وفي لبنان أثناء توليه مسؤوليات أمنية حسّاسة، والأخطر من ذلك أنّه نجح في اغتيال المهندس القسامي حمزة شاهين في مخيّم البرج الشمالي وكاد يشعل الفتنة بين الحركتين بعد اتهام حماس لـ»فتح» بالجريمة ووصول التوتّر بينهما إلى حدود الصدام العسكري.

 

مارس أبو معزة دوره في الاختراق باحتراف شديد، فهو بعد اغتيال شاهين حمل نعشه ومشى في جنازته وأكمل مهماته بغطاء ومتابعة كاملة من الموساد، والمثير للاهتمام هنا أنّه استطاع أن يخلق حالة داخل «حماس» تتأثّر بتوجّهاته وتسايره في خطواته، وبرز ذلك من خلال مجاراة مواقع القرار له في القدوم من غزة إلى لبنان فخرج إلى تركيا مكلّفاً بمهمات حسّاسة، وعندما احتاج الأمر إلى مناورة إضافية طلب الموساد الإسرائيلي إخراجه من الأراضي التركية لأنّه «يشكل خطراً» على أمن الكيان الإسرائيلي، ليكون هذا الطلب الغطاء النموذجي لأبو معزة في لبنان.

 

قال الناطق باسم حماس جهاد طه إنّ أبو معزة مناصر للحركة وليس قيادياً فيها، لكنّ هذا التصريح يصطدم بوقائع كثيرة:

 

ــ كيف لمناصر أن يدخل لمنشأة عسكرية للحركة، منشأة حساسة خاصة بالتدريب على العبوات والصواريخ والمسيّرات كتلك التي اغتيل فيها المهندس حمزة شاهين في مخيّم البرج الشمالي؟

 

ــ كيف لمناصر أن يعيش في المبنى نفسه (الحركي) مع أهم مسؤولي «حماس» الأمنيين في «الساحة اللبنانية»؟

 

ــ كيف لمناصر أن يتسلّم مهام أمنية ويدخل عين الحلوة ويتكلّف بتدريبات ولقاءات؟

 

ما يزيد الأمر خطورة أنّ أبو معزة كانت له يدٌ طويلة في الفتنة التي ضربت مخيّم عين الحلوة، حيث شارك في اجتماعات وتدريبات وكان وراء دعم مجموعة «الشباب المسلم» وتوريط حماس في الدفاع عن المجموعات المتطرّفة ووصولاً إلى التفاوض باسمها وتعطيل حركة «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» وفرض أمرٍ واقع لصالح تلك المجموعات، خاصة أنّه يدلي بمعلومات يُتوقّع أن تكون لها تداعيات كبيرة، وقد بدأت شبكته بالسقوط مع الإعلان عن توقيف هيثم عزام في «حي النجاصة» من قبل شعبة المعلومات لتعامله مع الموساد في إطار شبكة أبو معزة.

 

إغتيال شاهين وتوريط حماس

 

كانت خطة إيقاع الصدام بين حماس وفتح قد بدأت مبكِّراً وأخذت منحى خطراً منذ أحداث مخيّم البرج الشمالي وكان أبو معزة يرسم خيوط الاصطدام بدقّة، فوقف وراء إشاعة خطاب التخوين لـ»فتح» واتّضح من مسار الأحداث أنّ هذا الجاسوس يتحكّم باللعبة، فهو كلّف من فجّر مخزن التدريب ما أدّى إلى استشهاد المهندس شاهين، وجنّد من أطلق النار في جنازته ومن تولّى تسعير الخلاف بين الطرفين.

 

أسئلة كثيرة طُرحت في هذا الشأن:

 

لماذا أصرّت حركة «حماس» على «فتح» بأن تشارك في جنازة حمزة شاهين الذي قضى في الانفجار مع التشديد على كافة تفاصيل التشييع، ومن أعطى أوامر التنسيق ثم أخلف الوعود ولمصلحة من؟ ومن أمر بنشر المسلّحين على الرغم من الاتفاق المسبق ونتجت عنه مشادة بين قيادات «حماس» بين من هو مع ومن هو ضد؟ ولماذا ادّعى مسؤول «حماس» في المخيّم محمود طه عدم علمه بالظهور المسلّح رغم أنّه أحد أطراف تنسيق الجنازة مع حركة «فتح»؟ ولماذا استبعدت قيادة «حماس» حتى فرضية اليد الإسرائيلية في الفتنة المدبّرة ولمصلحة من؟ وهل توجد علاقة لأبو معزة بالإصرار من قبل حماس على مشاركة فتح في مراسم التشييع وتوريطها؟

 

حماس وتحدّيات الإختراق

 

ليس جديداً على «حماس» أن تتعرّض للاختراق وهي تقاوم بمحاولاتٍ دائمة لتحصين صفوفها، ووصلت إلى أبناء كبار قادتها مثل مصعب حسن يوسف، وإلى قيادات جناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام) وأبرزهم القائد البحري عز الدين الحاج علي بدر الذي فرّ عام 2020 على متن قارب إسرائيلي وبحوزته مبالغ مالية وجهاز «لاب توب» يحتوي على معلومات سرية وخطيرة عن وحدة الضفادع، التي قادها لسنوات…

 

شكّل فرار بدر كارثة أمنية نظراً لمكانته في الهيكلية العسكرية ومواقع القرار وأدّت التحقيقات إلى كشف شبكة كبيرة من الجواسيس القابعين في مفاصلها والمتحكّمين في جزء من قراراتها وتوجّهاتها، بل إنّ الموساد الإسرائيلي استطاع اختراق شبكات الأنفاق في قطاع غزة وحصل على خرائطها وتمكّن من استقطاب قيادات عسكرية وأمنية رفيعة، كان اللافت فيها أنّها لم تكن بحاجة إلى المال لتخضع للتعامل مع العدوّ الإسرائيلي، مثل العميلين عبد الكريم شعبان أبو عودة ومحمد فيصل ماضي وهما من شعبة استخبارات القسام وقد قاما بتسليم خريطة أنفاق القسام كاملة في قطاع غزة لجيش الاحتلال الإسرائيلي… ما يدفع للتساؤل عن الأسباب الحقيقية لوقوع هذه النوعية من القيادات في جريمة العمالة.

 

كيف ستتعامل «حماس» مع الواقع المستجدّ؟

 

سبق لممثل «حماس» في لبنان أحمد عبد الهادي أن قال بعد اغتيال المهنس شاهين إنّه سيلاحق القتلة من خلال الأجهزة الأمنية ومن خلال «أصدقائه في المقاومة»، من هنا تُبدي مصادر متابعة لهذا الملف خشيتها من أن يتدخّل «أصدقاء» عبد الهادي في مسار التحقيقات الجارية للحدّ من التداعيات الخطرة لانشكاف شبكة أبو معزة للضغط لتغيير المحقّقين في القضية، وهذا يشكّل حماية غير مباشرة للعملاء المُحتَمَلين. وقد بدأت تظهر مؤشِّرات هذا التدخّل خاصة أنّ أبو عنزة كان مقرَّباً من القيادي في «حماس» صالح العاروري الذي خطّ لنفسه مساراً خاصاً داخل «حماس» وأصبح أقرب ما يكون إلى حركة «الجهاد الإسلامي» ولهذه ظهر في الاجتماع الشهير الذي جمعه مع الأمينين العامين لـ»حزب الله» حسن نصرالله و»الجهاد الإسلامي» زياد النخالة.

 

وصل الاختراق الإسرائيلي لصفوف «حماس» إلى ما هو أبعد من جمع المعلومات وتنفيذ الاغتيالات، بل بلغ مرحلة التأثير في القرارات، وكاد يشعل حرباً أهلية في مخيّمات لبنان، وهذا يستدعي تنفيذ «الحركة» حال طوارئ شاملة في صفوفها ومراجعة سياساتها والتدقيق في مساراتها والاتّعاظ والاعتبار من درس أبو معزة، مع إضافة سؤال آخر هو: هل ساهمت الاختراقات الإيرانية لـ»حماس» في إضعاف مناعتها تجاه الاختراقات الإسرائيلية، خاصة أنّ طهران وتلّ أبيب تلتقيان على أهداف مشتركة، أبرزها تقويض الشرعية الفلسطينية وضرب حركة فتح في الداخل والخارج؟