IMLebanon

نعم لبطولات “حماس” لا لمشروعها السياسي

 

 

الرواية ذاتها حرفياً على لسان أجهزة المخابرات الإسرائيلية وعلى لسان الممانعة في لبنان، المقاومة ستشن هجوماً مباغتاً على إسرائيل عام 23 تحضيراً لمعركة تحرير فلسطين عام 28. في رواية «حزب الله» أنّ المهدي سيظهر في ذلك التاريخ ليستكمل السردية الشيعية المعروفة عن ظهور المهدي، التي فصلها علي الكوراني العاملي في كتابه «عصر الظهور» الصادر عام 2004، وأوجزتها في كتابي «الشيعية السياسية».

 

الرواية ظهرت إلى العلن في إسرائيل إثر توتر في العلاقة بين جهاز يعلم ورئيس حكومة لا يعلم. أما في غزة فقد تقول «حماس» إنّها لم تكن تعلم، والله أعلم.

 

إشادة ببطولات عملية «حماس»، لكن التضامن الواسع الشعبي والحكومي والدولي هو مع الشعب الفلسطيني لا مع «حماس». لماذا؟ بدل البحث عن تفسير لذلك، رفعت الممانعة شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» في وجه من يسأل، حتى لو كان من المتضامنين والمشيدين. من تقاليدنا كتم الأسئلة وواجب الشعب يقتصر على طاعة أولي الأمر والتصفيق للحاكم؟

 

نحن اللبنانيين لم نبخل بالتضامن مع القضايا القومية، ودفعنا غالياً، من غير منة، ثمن ذلك، من ثورة الجزائر حتى تحرير الأرض اللبنانية من الاحتلال، وما بدلنا تبديلاً. الظروف هي التي تبدلت، وأثبتت أنّ المقاومات لا تُسأل عن التحرير، لأنّه من بديهيات الأهداف، بل عمّا بعد التحرير. الجواب على السؤال الستراتيجي هذا يحدد صحة النهج والتكتيك.

 

حين لم تعد ذريعة مزارع شبعا كافية لتبرير السلاح خارج الدولة، لم يجد «حزب الله» حرجاً في القول السلاح لحماية السلاح. والصحيح أنه لحماية مشروع مكتوم كان قد أفصح عنه باكراً ثم طواه لفظاً بعد دخوله جنة الدولة بانتظار تأمين شروط أفضل لإقامة الدولة الإسلامية في لبنان.

 

التضامن مع المقاومة في لبنان لطرد الاحتلال تجاوز حدود لبنان والعالم العربي، وأدى إلى تراجع دولي عن وسمها بالإرهاب. وعندما انكشفت أهداف ما بعد التحرير بدأ «حزب الله» يخسر شيئاً فشيئاً من رصيده كمقاومة حتى بات شبه معزول خارج الطائفة الشيعية في لبنان.

 

مزاج شعوب العالم اليوم ضد العنف والحروب، لذلك ذهلوا للوهلة الأولى بما فعلته «حماس» ولا سيما ضد المدنيين. في اليوم التالي أذهلهم عنف غير مشهود في تاريخ الحروب إلا مع الصهيونية وقبلها مع النازية، فصار التنديد موجهاً ضد وحشية إسرائيل.

 

أشكال التضامن التي يطالب بها المتحمسون للقضية الفلسطينية باتت لا تجدي لأنها لا تكفي لرد العدوان. فهل بتوزيع صورة فلسطين مع الأسماء العربية لقراها ومدنها تنتصر غزة؟ وهل يفاجئنا وقوف الرأسمالية الاستعمارية تكراراً إلى جانب إسرائيل لنتظاهر ونشعل النيران بأعلامها وبجيران سفاراتها لنستجدي العطف على صور المآسي؟ ألم تكن حماس تتوقع ردة فعل وحشية ضد الأطفال والنساء والمستشفيات؟ ربما بات على حماس والمتحمسين لها التأكد من أنّ الحماسة تكفي لصنع بطولة لكنها لا تكفي وحدها لصنع انتصار عابر أو وهمي.

 

مع أن مشروعها لما بعد التحرير مكتوم ومموه بوعود وشعارات كالقدس عاصمة لفلسطين، فهو بات معروفاً ويشبه مشاريع الأصوليات الإسلامية كلها على اختلاف مذاهبها، إقامة الدولة الإسلامية على أنقاض ما سموه «جاهلية القرن العشرين». دولة لا تعترف بدستور ولا بحق اختلاف، ناهيك عن الاستبداد بكمّ الأفواه وفرض الشريعة وتعميم مفردات دينية وطائفية ومذهبية تجاوزتها لغة التنوع والتعدد في العالم المعاصر.

 

حين تتخلى «حماس» عن مشروعها الأصولي وتفضل وحدة الشعب الفلسطيني على وحدة الساحات، يكون التضامن معها واجباً وطنياً وقومياً وأممياً.