لا توجد مواعيد مقدسة. لذلك نهاية حزيران، ليس اليوم الموعود لتوقيع الاتفاق النووي الأميركي الإيراني، للسماح بتسوية نهائية صالحة للتوقيع من الطرفين الأميركي والإيراني معاً. ليس سهلاً على الإيراني توقيع اتفاق سيقدم فيه تنازلات قاسية تتأكد يوماً بعد يوم. الشعب الإيراني يلح على انجاز الاتفاق. القيادة الإيرانية تريده لكنها تتردد حتى تنجز صياغة تبريراتها للتنازلات التي اضطرت لتقديمها، والتي لا بد أن تثير أسئلة كثيرة وصعبة على الصعيد الشعبي ومنها لماذا تأخرتم كل هذا الوقت وأجبرتم العائلات على المعاناة اليومية وقبل ذلك سخرتم كل ثرواتنا لبناء مشروع تعرفون أن «سقفه» محدود لا يمكنكم خرقه؟.
هذا سؤال من فيض من الأسئلة التي ستجد مكاناً لتحديد المواقف خلال الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء قبل مطلع الربيع القادم. إيران ما بعد الاتفاق لن تكون إيران ما قبله. لكل حالة شروطها وأدواتها. التغيير في إيران سيطال كل حركتها في المنطقة، ليس بالضرورة أن تتخلى عن أحلامها وطموحاتها «الامبراطورية»، لكن من الآن وحتى تتوضح الاجابات والمواقف التي يمكن البناء عليها، فإن المنطقة وتحديداً «الهلال الشيعي» الممتد من حلب الى عدن، سيشهد المزيد من الحرائق والهجرات والمآسي، والتحولات التي قد تشكل مسارات خطيرة على مستقبل جميع القوى والبنى التي تشكل جغرافية المنطقة. لذلك من المستحيل، الحديث عن مستقبل سوريا والعراق واليمن وحتى لبنان السابح في الفراغ منذ أكثر من عام.
وسط هذا المجهول، يتشكل مستقبل جديد للقضية الفلسطينية، قائم على اليأس من الحاضر وعلى أمل أن يتم بناء مستقبل على يد جيل جديد استوعب كل تجارب الماضي. سواء كانت مفاوضات، أو مباحثات مباشرة أو غير مباشرة، فإنها تفتح الباب بين حركة «حماس» وإسرائيل نحو «هدنة طويلة» غير محدودة.
لا شك أن «الغزاويين»، الذين أثبتوا دائماً أنهم «مصنع« للرجال، قد تعبوا من الحروب التي كانت آخرها «الجرف الصامد». تعبوا لأنها حروب بلا نتائج تستحق التضحيات والحصار، ولا هي مفتوحة على أفق يدعو الى التفاؤل والأمل.
حرب «الجرف الصامد» لن تكون آخر الحروب، لكن كما يبدو قد تكون الحرب التي تعقبها هدنة طويلة الأجل. يمكن لحركة «حماس» أن تقدم سلسلة من الأسباب التي تدفعها للتفاهم مع إسرائيل وهي التي أسقطت الوحدة الفلسطينية باسم متابعة المقاومة، وهي التي رفضت اتفاق أوسلو والدولة الفلسطينية، لأن ذلك حرام لأن فلسطين تكون، من النهر الى البحر أو لا تكون. لذلك أساءت الى الرئيس الشهيد ياسر عرفات. «حزب الله» فتح لإيران الحدود مع إسرائيل في جنوب لبنان. «حماس» فتحت حدود غزة أمام إيران ومنحت «خطابها المقاوم» حجة التعددية بأن طهران لا تفرق في المقاومة بين شيعي وسني. فماذا حدث حتى تنقلب «حماس» على نفسها وتقبل «هدنة مفتوحة»؟
لا شك أن «الفوضى الخلاقة» في المنطقة قد «قصقصت» أجنحة «حماس». خسرت «حماس» في مصر خسارة قاسية مع سقوط سلطة الاخوان ومحمد مرسي، ومن ثمّ «حزب النهضة» في تونس، وتراجع «العدالة والتنمية» في تركيا، الى جانب خسارة الدعم الإيراني. أكد النظام الإيراني أنه لا يرحم في تحالفاته. الالتزام والانخراط الكامل أو الانفكاك والطلاق. أقفلت طهران «حنفيتها» أمام «حماس»، أسوأ ما جرى أثناء حرب «الجرف الصامد» وما بعده، فلا سلاح للقتال ولا مال للبناء. مضى عام كامل و»الغزاويون» في العراء على مرأى منازلهم المهدمة.
ولا شك أن «حماس» التي تعرف إيران أدركت أن التغيير في الموقف الإيراني منها ليس مؤقتاً ولا محكوماً فقط بمواقفها، وإنما أيضاً لأن إيران دولة يهتف شعبها «لا غزة ولا لبنان نحن نحب إيران«. ولذلك فإن الولي الفقيه آية الله علي خامنئي وهو المقبل على عالم جديد من العلاقات، تحدث سابقاً عن «استفتاء يشترك فيه الفلسطينيون والإسرائيليون (دون أن يسميهم) لتحديد مستقبل فلسطين. فلماذا لا تبحث «حماس» المحاصرة من إسرائيل وإيران ومصر وخسائر «الإخوان المسلمين» عن حلول جديدة تحميها من نهايتها في السلطة وحتى الوجود السياسي؟
أخيراً فإن الخلاف المكشوف مع مصر أنتج عداء طال الأمن القومي المصري، ما أدى الى إغلاق المعابر والأنفاق، فتأكدت الكارثة.
السؤال الكبير، هل ستتمكن «حماس» من فرض اتفاق مع إسرائيل بوجود «حركة الجهاد» و»داعش» الوليدة ؟ وهل سيؤدي ذلك الى صدامات داخلية تضطر فيها «حماس» الى طلب النجدة من «فتح» والسلطة الفسلطينية؟
كل شيء ممكن في عالم يتغير بالقوة والدماء.