Site icon IMLebanon

«قاعدة همدانوف»..  

سرّبت الآلة الاعلامية الاسدية والممانعة خبر دخول الف عنصر مسلح معارض الى الشمال السوري من تركيا، قبل ساعات من إعلان موسكو عن «استقرار» قاذفات استراتيجية روسية في قاعدة همدان غرب ايران «لاستهداف الارهابيين في سوريا».

الحصافة في مبتدئها وخبرها، تستنكر ذلك القياس الذي يضع «الف عنصر مسلح» في مقابل قاذفات استراتيجية روسية تشبه تلك التي تستخدمها واشنطن لقصف مناطق «الفايتكونغ» في فيتنام.. أي التي تطلق قنابلها وتفلشها مثل السجادة، «مُحرقة ومُبيدة كل ما تطاله بشراً وشجراً وحطباً وحجراً!

لكن الحصافة تلك تفرض ايضاً السؤال عن معنى الاعلان عن تحويل موسكو قاعدة عسكرية ايرانية الى قاعدة لها موازية لقاعدة حميميم في الشمال السوري طالما ان المسافة الجوية الفاصلة بين القواعد الروسية في ارضها والميدان السوري، لا تقاس بمسافة المحيطات ولا تُعتبر ذات شأن في عالم الطيران الحربي، لا العادي التكتيكي ولا الاستثنائي الاستراتيجي!!

الخبر في كل حال، لا يحمل اشارات تسووية، بل تصعيدية. ويبدو وكأنه يدلّ على امرين. الأول ان موسكو «تعيد» تثبيت تحالفها مع طهران وتدفع به الى مستويات جديدة برغم علاقاتها المتينة جداً مع الاسرائيليين، ما يعني ان الكيد موجه باتجاه واشنطن أولاً! والثاني ان الروس مثل الايرانيين (وتابعهم الرئيس السابق بشار الاسد) يشعرون بأن الاميركيين سحبوا منهم ورقة الرهان على «استثمار» الاشهر الأخيرة من ادارة اوباما لمحاولة فرض معطيات ميدانية حاسمة أو شبه حاسمة، في الشمال السوري! ويعبّرون رداً على ذلك وعلى طريقتهم، عن جزء من غضبهم وبطريقة كاريكاتيرية!

ما يعزز هذه القراءة (ولا يؤكدها في كل حال!) هو ان سيرغي لافروف وزير خارجية فلاديمير بوتين، عاد (بعد غياب!) الى سيرته التصعيدية المعهودة والى ممارسة هوايته المفضلة التي تعني ان يلبس ثياباً ديبلوماسية ويتكلم مثل الرعاع والبلطجية! ومن ذلك، قوله قبل يومين بعد لقائه وزير الخارجية الالماني شتاينماير ان الذين يؤيدون «الجماعات الارهابية في سوريا هم ارهابيون اصلاً»! مذكراً بالموقف الأول لموسكو التي لا ترى في كل المعارضة السورية شيئاً آخر غير «عصابات تكفيرية وارهابية».

في الحسابات الظاهرة، تدل قاعدة «همدانوف» الايرانية الروسية الجديدة وتصريحات لافروف، على توتر، مستعاد في الأداء الروسي، إزاء الاميركيين أولاً. والأتراك ثانياً. وكل داعمي المعارضة السورية ثالثاً. ما يعني سريعاً، ان أنقرة لم تعدّل مواقفها السورية، بعد زيارة رجب طيب اردوغان التاريخية الى موسكو. وان واشنطن لم تعدّل «استراتيجيتها العابرة» القائمة على حفظ الستاتيكو القائم ومنع تعديله بالقوة قبل انهاء ولاية أوباما! وان محاولة دمج المعارضة «المعتدلة» بتلك «الارهابية» ووضعها في سلّة استهداف روسي ايراني مشترك، لم تنجح ولا يبدو انها ستنجح! وبعد ذلك، ان المعارضة السورية اظهرت وتظهر جهوزية لا جدال في شأنها، كافية لإحراج كل الداعمين للاسد، وأولهم الروس!

.. عندما تتوتر موسكو، فوق توترها المعتاد المرافق لصحوتها القومية «العظمى».. تذهب الى تصعيد همجي «شيشاني»، ضد المدنيين في الشمال السوري، مثلما تفعل منذ أيام! ثم تذهب الى الاستعانة الاستعراضية بالقواعد الايرانية، ثم تعيد «إفلات» لافروف وتصريحاته.. لكن الأغرب من ذلك كله، ان تركّب معادلة تقوم على وضع الف مسلح معارض، في مقابل قاذفاتها الاستراتيجية!! وتلك في الاجمال، دلالات توتر وليس قوة!