حتى الآن، طُمر نحو 40% من جبل النفايات القديم في برج حمود في البحر، وفق البرنامج الذي تضمنته الخطة الحكومية للنفايات، فيما لم يحسم القضاء بعد مسألة خلوّ هذه الردميات من النفايات السامة التي يتردد أنُها دفنت في جبل النفايات في الثمانينيات. في هذا الوقت، تُفيد المعطيات أن وتيرة الأعمال في موقعي الطمر في برج حمود والجديدة تضاعفت مؤخراً بسبب تفاقم معدلات النفايات الواجب طمرها، ما يُقصّر عمر المطمر، إلى مدة أقصاها سنة ونصف، وفق تقديرات الشركة الملتزمة الأعمال. تأتي هذه الوقائع، في ظل غياب أيّ حديث عن الخطة المُستدامة البيئية وتهميش كليّ لضرورة إنشاء معامل فرز للنفايات
هنا، في برج حمود، وقبل أكثر من عشرين عاماً، “زرعت” الحرب مكبّاً للنفايات نما بحجم جبل. نحو 3 ملايين و500 ألف متر مكعّب من النفايات المُكدّسة انتصبت على ساحل المتن الجنوبي طوال عقدين من الزمن.
هذا المكب “احتضن” نفايات سامة جرى دفنها أواخر الثمانينيات، بعدما أُدخلت إلى لبنان كميات كبيرة من النفايات الصناعية والمواد الكيميائية السامة. اليوم، تقوم الحكومة اللبنانية بالتخلّص من هذا المكب/الجبل عبر “دفنه” في البحر، ضمن ما يعُرف بـ “الخطة الحكومية المؤقتة لإدارة النفايات المنزلية الصلبة”. وتنصّ الأخيرة على ردم البحر في منطقتي الجديدة وبرج حمود بآلاف الأطنان من هذه النفايات القديمة، على أن يُقام في كل منطقة منهما مطمر ساحلي للنفايات المنتجة حديثاً.
40% من مكبّ النفايات القديم طُمر في البحر
من يزر موقع المطمر في برج حمود، ستصطدم عيناه حُكماً بجبل النفايات الضخم. في الواقع، لم تستطع الشاحنات الكثيرة التي تنهش وتحفر فيه حالياً تقليل “حجمه الكبير”. لا رائحة كريهة تفوح من الجبل كما يُتوّقع. فقط أتربة سوداء وأكياس بلاستيكية قديمة تتدلّى من كل ناحية منه. وبحسب المتعهّد الملتزم أعمال مطمري برج حمود والجديدة، صاحب شركة “خوري للمقاولات” داني خوري، فإنه تم التخلّص من 40% من حجم الجبل حتى الآن.
يقوم المشروع على حفر جبل النفايات القديم وطمره في البحر (يتم توزيع نفايات الجبل بين برج حمود والجديدة) على أن تُقام خلايا لطمر النفايات الجديدة على المواقع المردومة. وفي ظلّ تصاعد الحديث عن التداعيات البيئية والصحية لردم البحر بالنفايات القديمة، خصوصاً لجهة احتمال وجود نفايات سامة ضمنها، تُفيد المعطيات أن وتيرة العمل في الورشة تضاعفت خلال الأيام الماضية بهدف تسريع وتيرة العمل وإنجاز الأعمال بأسرع وقت مُمكن.
أكثر من 60 شاحنة تعمل حالياً في الورشة. يقول مُدير المشروع في برج حمود توفيق كزموز إن مجلس الإنماء والإعمار طلب منها مؤخراً تسريع الأعمال بسبب تفاقم معدلات النفايات الواجب طمرها، “ما دفعنا إلى تسريع وتيرة الحفر في الجبل القديم”.
ماذا عن النفايات السامة؟ يقول كزموز إن الشركة أجرت الفحوصات المطلوبة منها للتأكد من خلو الجبل/المكب من النفايات السامة، لافتاً إلى أن التحاليل أجمعت على أن الجبل “تحلّل كلياً، وأنه يخلو من النسب الخطيرة على البيئة”.
يأتي هذا الكلام، في ظلّ دعوى قضائية لا تزال في عهدة قاضي الأمور المُستعجلة في جديدة المتن، القاضي رالف كركبي، الذي فتح تحقيقاً في الموضوع، والذي تسلّم منذ أشهر تقريراً أولياً من الخبير البيئي جهاد عبود يوصي فيه وقف العمل مؤقتاً بالحفر في جبل النفايات، وعدم ردم المطمر الصحي المستحدث والبحر من أتربة هذا الجبل، لحين التأكد من خلو هذه الأتربة من البراميل المشعة أو السامة وبعد فرزها.
أين السنسول البحري النهائي؟
في زيارته الأخيرة إلى موقع مطمر برج حمود، قال وزير البيئة طارق الخطيب إن المتعهّد لم يقم بإنشاء السنسول البحري المطلوب لحصر النفايات وعدم انتشارها في البحر.
وضع التربة السيئ ناجم عن مخلفات شركات النفط
وعن المرامل والكسارات (هيثم الموسوي)
يردّ المتعهّد على هذا الأمر بالقول إن هناك عوائق كثيرة تحول دون إنشاء الكاسر النهائي البحري، لكنه يلفت إلى إقدام الشركة على إنشاء كاسر للأمواج مؤقتاً إلى حين معالجة العوائق من ضمنها خطوط شركات النفط التي لم تتم إزالتها بعد. يقول كزموز في هذا الصدد إن هذا الأمر يُعيق استكمال كاسر الموج النهائي، لكنه ليس السبب الأساسي فقط في عدم إنشائه، “الأمر يعود إلى نوعية التربة الموجودة والتي لا تصلح لإنشاء الكاسر البحري النهائي”. أما سبب وضع هذه التربة فهي المرامل والكسارات من جهة، فضلاً عن عصارة الجبل القديم التي كانت تتلاشى في البحر إضافة إلى مصبات مياه الصرف الصحي الأربع التي تصب في البحر. يُشير كزموز إلى أن مجلس الإنماء والإعمار بصدد حلّ هذه المسألة بشكل جذري، “وسيُنشأ السنسول في الفترات المُقبلة”.
نفايات غير مفروزة وتقليص عمر المطمر
ينصّ عقد التلزيم على استقبال المطمرين نحو 900 إلى 1000 طن يومياً. تفيد المعطيات أن المطمرين يستقبلان نحو 1400 طن يومياً، “ما يُقصّر حكماً، من عُمر المطمر عبر بلوغه الطاقة الاستيعابية القصوى قبل الموعد المحدد”، وفق ما يقول خوري، لافتاً إلى أن هناك عوامل أخرى ساهمت بدورها في تقصير عمر المطمر، كالمركز المؤقت لتخزين النفايات الذي اعتمد في برج حمود بعد إقفال مطمر الناعمة في أيار عام 2016 وقبل تشغيل المطمرين في شهر تشرين الأول الماضي. هذا المركز بحسب خوري، هو “كارثة مؤجلة”، إذ يحوي على نحو 300 ألف طن من النفايات التي تكدّست خلال الفترة المذكورة. يقول خوري إنه لا يستطيع أن يحفر حالياً في المركز ويقوم بنقل النفايات، “لأن الناس سيموتون من الرائحة حُكماً”، لافتاً إلى أنه بانتظار ردّ مجلس الإنماء والإعمار من أجل القيام بتهوئة هذا المركز و”تنفيسه”.
يقول خوري إن المشروع وُضع على أساس مدة تشغيل المطمرين لـ40 شهراً، لافتاً إلى أن هذا المركز قلّص عمر المطمر نحو 6 أشهر، فضلاً عن أن المطمرين يستقبلان نفايات منذ 7 أشهر، ما يعني أن العمر المتبقي للمطمر نحو 27 شهراً. يُضيف خوري في هذا الصدد أن المطمر يستقبل نفايات إضافية بمعدّل 40%، يعني سيتقلّص عمر المطمر إلى سنة ونصف كحدّ أقصى.
ولعلّ ما يُفاقم هذا الواقع مسألة عدم فرز النفايات. يقول مصدر ميداني مُطّلع إن النفايات التي تأتي إلى المطمرين غير مفروزة، بخلاف ما ينصّ العقد الذي يفرض على الشركة الملتزمة أعمال الفرز والمعالجة (شركة الجهاد للتجارة والمقاولات) فرز هذه النفايات بهدف تقليص حجمها قبل أن تصل إلى المتعهد المسؤول عن المطمر. ويُضيف المصدر في هذا الصدد: لكن المُتعهّد الجديد لا يزال يقوم بتأهيل المعامل التي تسلمها من “سوكلين”، ذلك أن “المعامل كانت مهترئة ووضعها سيء جداً”.
يأتي هذا الواقع، في ظلّ عدم وضوح أي خطة مستدامة بعد، سواء من قبل البلديات أو من قبل السلطة المركزية. كما يأتي في ظل غياب الحديث عن تطوير معامل الفرز والمعالجة، المطلب البيئي الأمثل والأساسي في خطة الإدارة المستدامة للنفايات المنزلية الصلبة. كما يأتي في ظلّ غياب الحديث عن تطوير معامل الفرز والمعالجة، المطلب البيئي الأمثل والأساسي في خطة الإدارة المستدامة للنفايات المنزلية الصلبة.
عوائق إنشاء الحاجز البحري
لم يُنشئ المُتعهد الحاجز البحري بعد، وفق ما يقول، لسببين: الأول يتعلّق بخطوط النفط التي لم تُزِلها الشركات بعد. وقد أُمهلت الأخيرة لغاية تشرين الأول كي تُزيح خطوطها. وبحسب المعلومات تعترض خطوط شركة “ميدكو” المشروع من ناحية برج حمود، فيما تعترض المشروع من ناحية الجديدة شركتا “وردية” و”توتال”.
إضافة إلى خطوط النفط، ثمة عائق أساسي يتعلّق بنوع التربة السيئ جداً. وبحسب مصادر في مجلس الإنماء والإعمار فإن التربة الموجودة حالياً لزجة جداً الأمر الذي يؤدي إلى غرق الصخور وعدم ثباتها. وضع التربة السيئ ناجم عن مخلفات شركات النفط وعن المرامل والكسارات، فضلاً عن مخلفات مياه الصرف الصحي التي أدت إلى تدهور وضع التربة الموجودة. وبحسب المصادر نفسها، فإن الاستشاريين اقترحوا جرف التربة ووضع تربة غيرها، وهو أمر “مُكلف جداً، إلا أننا مُضطرون للقيام بهذا الإجراء تجنّباً لانهيار الحاجز فيما بعد”.
أكثر من نصف مليون متر مربع من البحر المردوم
تُظهر خرائط مجلس الإنماء والإعمار المتعلّقة بإقامة المطمرين في برج حمّود والجديدة أن الردم سيشمل مساحة 576 ألف متر مربع من البحر، على الشكل التالي:
في برج حمود:
– ردم 65 ألف متر مربع لإقامة محطة تكرير.
– ردم 97 ألفاً و400 متر مخصصة كـ»أراضٍ عامة» توهب إلى بلدية برج حمّود.
– ردم 126 ألفاً و400 متر مخصصة لإقامة المطمر.
في الجديدة:
– ردم 122 ألفاً و700 متر مخصصة لإقامة المطمر.
– ردم 119 ألفاً و500 متر مخصصة كـ «أراضٍ عامة» توهب إلى بلدية الجديدة.
– إضافة إلى ما ورد سيتم ردم نحو 45 ألف متر مربع استكمالاً لمشروع لينور القائم على ردم البحر لإقامة الاوتوستراد البحري.
لماذا الاعتقاد بأن هناك نفايات سامة؟
بحسب الباحث في السموميات البيئية والاختصاصي في علم الأدوية الطبيعية بيار ماليشاف، فإنه أُدخل إلى لبنان صيف عام 1987 كميات كبيرة من النفايات الصناعية والمواد الكيميائية السامة نتيجة اتفاق عُقد بين “المافيا الإيطالية” وأحد الأحزاب اللبنانية. هذه الكميات تُقدّر بـ 15 ألفاً و800 طن من النفايات السامة، إضافة إلى 20 مستوعباً (راجع مقال تاريخ النفايات ــ الحلقة الأولى: سدرا والسموم للباحثة جيسيكا خزريك). هذه الكميات وُزّعت على أماكن عديدة، من ضمنها مكبّ برج حمود، وعلى الرغم من عمليات الترحيل التي حصلت بين عامَي 1988 و1989، إلا أنّ كميات كبيرة بقيت مدفونة في المكب.
ما هو مشروع لينور؟
يقضي مشروع لينور بردم البحر في ساحل المتن الشمالي من الدورة إلى ضبيه، إنشاء محطّة لتكرير الصرف الصحي، معالجة مكبّ النفايات في برج حمود وإنشاء طريق خدمة مع كافة التقاطعات من مرفأ بيروت حتى ضبيه، ونقل خزانات الوقود من الدورة إلى البحر، واستحداث أوتوستراد بحري.
أُطلق المشروع عبر قرار صدر عن مجلس الوزراء عام 1985 بهدف استكمال مشروع التمدّد العقاري الذي كان سائداً آنذاك.