جولة في شارع الحمراء أمس، بعد 3 أيام على إحباط العملية الانتحارية الإرهابية قبل وقوعها، تظهر أن الشعب اللبناني ليس محباً للحياة فقط، ويجسدها بأبهى حللها مهما اشتدت الصعاب وقست الظروف، بل مجبول بها، وأكثر، فهو شعب لن يتوقف عن الحياة إلا حين تتوقف الحياة عن «الحياة».
شارع الحمراء الذي يجسد صورة لبنان الحقيقية، بتعايشها وترابطها وانفتاحها، لم يكن أمس كسابق عهده بعجقته وزحمة رواد مطاعمه بل كان أكثر ازدحاماً، وبدا زواره أكثر إصراراً من أي وقت مضى، على التجول في شارع لطالما اعتبر شريان العاصمة الرئيس الذي سيبقى يضخ الفرح والسلام والثقافة والموسيقى مهما حاول الإرهابيون أو العابثون أو المتضررون من الاستقرار السائد في البلد، وهذا ما أجمع عليه المتواجدون في شارع الحمراء الذين أكدوا أنه «مهما حاول الإرهاب أن يزرع فينا الخوف، فلن نستسلم، ولن نحقق هدفه في جعلنا نتراجع عن الحياة، لا بل على العكس سنظهر للإرهابيين أننا شعب يؤمن بثقافة الحياة، ولن تثنينا عبوة أو حزام ناسف أو سيارة مفخخة عن المضي قدماً».
لغة التحدي التي تحدث بها الموجودون في شارع الحمراء، لإيصال رسالة الى الإرهابيين بأنهم لن يحققوا هدفهم مهما فعلوا، واكبتها ثقة غير مسبوقة بالقوى الأمنية التي استطاعت إحباط عملية انتحارية قبل حدوثها بوقت قصير حيث أثنى رواد المطاعم والمحال على هذه الخطوة النوعية والتي تُعتبر سابقة يمكن أن تحتذي بها الدول المتطورة، والتي كان لها تأثير كبير على النفوس لناحية الارتياح لأداء أجهزة أمنية، تعاونت ولاحقت وتعقبت الانتحاري وأحبطت عمليته التي كانت ستودي بحياة الكثيرين من الأبرياء. ولعل هذه الخطوة الاستباقية، دفعت بالكثيرين الى التوجه نحو شارع الحمراء حتى أولئك الذين لا يقصدون المطاعم، جلسوا على طاولات «كوستا»، تضامناً، من دون أي تردد أو خوف، واحتسوا القهوة، وتبادلوا الأحاديث في ما بينهم، وتدريجاً، وفي وقت قياسي، عادت الحياة الى الشارع وكأن شيئاً لم يكن، وهذا ما فاجأ أصحاب المؤسسات التجارية الذين أثنوا على أداء الأجهزة الأمنية، معولين على الازدهار في العهد الجديد مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي كانت زيارته ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ووزير الدفاع يعقوب الصراف الى مطعم «كوستا»، لها صدى إيجابي لدى أصحاب المطاعم والرواد، معتبرين أنها التحدي الأمثل للإرهاب كما أنها تؤكد الإصرار على الحفاظ على الاستقرار والأخذ بالبلد الى مزيد من الازدهار.
كما شارع الحمراء الذي بدا أمس على سابق عهده، زحمة سير، وعجقة رواد ومتسوقين، كذلك المشهد في الـ«كوستا» حيث غص برواده حتى أن عدداً كبيراً من الناس قصدوه للمرة الأولى، تضامناً بحسب أحد المسؤولين فيه، وربما يوم الاثنين (أمس) كان الأكثر ازدحاماً منذ فترة طويلة، حيث جلس كل على طاولته الخاصة يستمع الى صوت فيروز الذي صدح بالأغاني الوطنية في أرجاء المقهى كما عمد المتضامنون الى رفع شعارات على الواجهة كتب عليها «وحدتنا أقوى من إرهابكم. كلنا للوطن»، «شكراً للعين الساهرة على الوطن»، «بدي اتنفس حرية».
ويتحدث أحد العاملين في المقهى الى «المستقبل» عن الانتحاري موضحاً أن «العمل اليوم أفضل من الأيام السابقة حتى أننا نرى وجوهاً جديدة لم تزر المطعم سابقاً. الناس أتوا ليتضامنوا معنا، وليؤكدوا أن الإرهاب لن يتمكن من إيقاف الحياة في الحمراء التي تعج بروادها نهاراً وليلاً«.
وفيق جابر، وهو من رواد المقهى منذ فترة طويلة، يجلس مع أصدقائه على طاولة في الخارج، ويقول: «ما من شيء يخيفنا بوجود القوى الأمنية، العين الساهرة على أمننا«، معتبراً أن «الحياة تستمر، ومهما فعلوا لن يتمكنوا من تخويفنا، ونحن بوجودنا هنا نتحدى الإرهاب».
أما زميله عماد بكار، فيؤكد أن «الشعب اللبناني يحب الحياة، ويرفض التهديد من أي مصدر أتى وبخاصة من الإرهابيين ذوي العقول المتخلفة، ونحن لدينا الثقة التامة بالقوى الأمنية«، معتبراً أن «الوجه الأمثل لتحدي الإرهاب هو المبادرة التي قام بها الرئيس سعد الحريري ووزيرا الداخلية والدفاع حينما زاروا المقهى».
ويرى مستشار رئيس جمعية تجار الحمراء، محمد الريس، الذي يتواجد في الشارع منذ أكثر من أربعين عاماً، ويملك مؤسسات تجارية، أن «شارع الحمراء سيعود مزدهراً كما كان في بداية السبعينات لأننا متفائلون بالعهد الجديد، وإذا كان الإرهابيون يهدفون الى ضرب الاقتصاد، فنحن نطمئنهم أنهم لن يستطيعوا تحقيق أهدافهم، ونحن سنبقى مهما فعلوا. ونقول لهم: هذا شارع الحمراء، ملتقى الطوائف ومركز الثقافة. إنه لبنان المصغر«، مؤكداً أن «الإرهابيين لن يزرعوا فينا الخوف، والأهم هو أن نبقى موحدين في وجه كل من يريد الشر لبلدنا«.
ويجلس السبعيني كسبار ديردريان على الكرسي نفسه منذ أكثر من 15 عاماً، يكتب ويقرأ وينجز ملفاته، ويؤكد أنه لن يتخلى عن جلسته هذه مهما حصل، معتبراً أن «القوى الأمنية قامت بعمل جبار»، مشدداً على أنه «لا يجوز أن نخاف من الإرهابيين كي نفهمهم أنهم فشلوا في مهامهم. نحن في لبنان، مر علينا الكثير من الصعوبات ولم نخف، واليوم لن يخيفنا إرهابي وبالتالي ستبقى الحمراء مركزاً للمثقفين والمفكرين والصحافيين. الحمراء لن تموت».