رَحِم الله «قيصر عامر»، كان هذا الاسم بمثابة «فرحة الأولاد» ممن كانوا ينتظرون المناسبات الدينية والأفراح لـ»يتموَّنوا» من محلاته في «البلد» مما لذَّ وطاب وأفرَحَ، من مفرقعات ومسدَّسات «فلِّين محشوّة ببارود» كانت تُحدِث أصواتاً قوية بقوة أصوات المسدسات الحقيقية.
هذه المسدسات يتذكَّرها جيل سبعينيات القرن الماضي، وهذا الجيل عادت به الذاكرة إلى تلك الحقبة، حين شاهد على الشاشات وفي الصحف المسدسات من صنع تركي والتي ضبطها الجيش اللبناني، المرة الأولى بالمصادفة بعد حريق في الشاحنة التي كانت تنقلها، في بسبينا البترون، والمرة الثانية بعدما تم ضبط شاحنة محمَّلة بالمسدسات من النوع ذاته.
أكثر من محور يجري التدقيق فيه في ما خصَّ هذا الملف:
محور نوعية هذا المسدس، مسدَّس أقرب إلى «اللعبة»، منه إلى المسدس الحقيقي، يجري تعديله في لبنان بحيث يصبح قادراً على إطلاق رصاص يسمَّى «9 ميللم قصير»، لكن خطورة هذا المسدس، بعد التعديل، أنه قد ينفجر في يدِ حامله لأنه ليس مصنوعاً من مواد تحتمل الرصاص الحقيقي. في هذه الحال، لماذا هذا المسدس «مرغوب» في لبنان؟ يقول تجَّار أسلحة حربية وأسلحة صيد، معروفون ومخضرمون، إن هذا النوع من المسدسات هو «للتشبيح والتشليح والتفشيخ»، بمعنى أنه مستخدمٌ بقوة من عصابات «الموتوسيكلات» الذين يُخيفون ضحاياهم بها بهدف التشليح والسرقة، من دون أن يُضطروا إلى إطلاق النار، وحتى لو أضطروا إلى إطلاق رصاصة أو رصاصتين، فإن نسبة الخطر على انفجار المسدس، تكون منخفضة.
المحور الثاني، مَن هُم تجار هذا النوع من المسدسات؟ هل هم من الذين يتاجرون بالأسلحة الحربية الحقيقية، المعروفين من الأجهزة الأمنية التي لديها لوائح بهم؟ أم من تجار اسلحة الصيد، المعروفين أيضاً من الأجهزة الأمنية التي لديها لوائح بهم؟ وكما يقال: «التجار يعرفون بعضهم»، فإنّ تجار المسدسات التركية معروفون من الجميع، فمَن يغطيهم؟ ومَن يحميهم؟
هذا السؤال يقود إلى المحور الثالث حول «سكة التهريب» من تركيا إلى لبنان، كيف يتم التوضيب في تركيا؟ مَن يتولَّى التسلُّم؟ الشحنة «التعيسة الحظ» والتي كانت محمَّلة زيوتاً، شبَّ فيها حريق أتى على المسدسات، «ففتَّح الأعين» على الشاحنات التي على متن الباخرة الآتية من تركيا، لأن الشاحنة المحترقة، هي واحدة من الشاحنات التي كانت على الباخرة، وعددها أربع وستون شاحنة. الشاحنة الثانية التي ضبطها الجيش كانت محمَّلة حديداً، وتمت مصادرة المسدسات التي كانت على متنها والبالغ عددها قرابة الثلاثمئة مسدس، والتي كانت موضَّبة بطريقة احترافية جداً، ما يدل على أن المهرِّبين ليسوا هواةً.
أمام الجيش اللبناني مهمة دقيقة وحساسة، لأنه سيكون من صلب مهمته تفتيش الشاحنات الأربع والستين. نحن إذاً أمام حلقة لم تكتمل عناصرها بعد: الشخص المسؤول عن الشحن في تركيا، الشخص المستقبِل المسدسات في مرفأ طرابلس، الشخص المسؤول عن إخراج شاحنات المسدسات من مرفأ طرابلس، الوجهة التي كانت ستتوجه إليها الشاحنتان، (تاجر الزيوت في الشاحنة الأولى، وتاجر ألواح الحديد في الشاحنة الثانية)، هل نحن أمام «سكة تهريب» قديمة ولم يتم كشفها بعد؟ المسدسات المستوردة والمصادرة، موجود الكثير منها بين أيادي شبان في أكثر من منطقة، ولا سيما طرابلس وعموم الشمال، ما يعني أنّ شحنات منها سبق أن وصلت إلى لبنان وموجودة لدى اكثر من تاجر أسلحة، فهل تفتح هذه الحادثة ملف استيراد الأسلحة إلى لبنان؟ وما هي الغاية منه في هذا التوقيت بالذات؟