أهمّ أحداث يوم أمس كان في «لاهاي»، ومن دون أدنى شكّ في ذلك، وأميل إلى الإطلاق على المستشار هاني حمود وصف «أهل خاصّة» الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثمّة «جُمَلٍ كثيرة» بقيت عالقة في ذاكرتنا منذ تفجير الرئيس الحريري بما يتجاوز الطنين من المتفجرات، أي ما يزيد عن ألفي كيلوغرام من المتفجرات، ومن هذه الجمل «الكبرى» التي حفرت عميقاً في ذاكرة اللبنانيين، هاني حمود «أهل خاصة الرئيس الشهيد» هو الأقرب إلى الرّجل الذي كان يدخل «مخدع» رئيس حكومة لبنان، والذين يبلغون هذه الدرجة من القرب يكون لشهادتهم وقعٌ مختلف عن كل الشهادات التي أنصت اللبنانيّون إليها حتى اليوم.
»انت تخاطب رئيس حكومة لبنان»… يا ليت الرئيس الشهيد قالها وغادر الاجتماع غاضباً ـ هذا لو تركوه يغادر أو أن يصل إلى دارته ـ ويا ليته أفشى في أول تصريح له وقائع الاجتماع ووضعها بين يدي الشعب اللبناني… لأوّل مرّة فهمت بالأمس وأنا أنصت لهاني حمود وهو يشرح مقصد من جملة زلزلت كيان لبنان بعيْد استشهاد رجُلِهِ الكبير: «إني استودع الله هذا البلد» في بيان الإعتذار، وكشف هاني حمود أنّها عنت: «أنا مجبر على التخلّي عنكم»!!
وإنّي لأظنّ لو ان الشعب اللبناني فهم هذا المعنى لأقفلت طرق لبنان بالجماهير الغاضبة والرافضة لهذا الأمر، فاللبنانيّون كانوا يختزنون غضباً غير مسبوق على أدوات سوريا في حكم لبنان، واشار هاني حمود إلى «عدّة مسودات للبيان وإلى جملة وردت يقول فيها الرئيس الحريري للشعب اللبناني: «أنا لا أريد التخلي عنكم إنما أنا مجبر وأنا أمنع عن المساهمة الوطنية في البلد»، يا ليته صارح اللبنانيين، وذهب إلى أبعد من ذاك التصريح لجريدة الشرق الأوسط: «ممكن يجبروني عالتمديد، ولكن لا يستطيعون أن يجبرونني أن أكون رئيساً للحكومة»، منذ ذاك التصريح أعلن الرئيس الشهيد أنه في محور المعارضة، وأنه لن يسمح بعد اليوم أن يُعربش النظام السوري وأذنابه على كتفيْه.
المشكلة مع رفيق الحريري أنّه أدرك دائماً «حجمه السياسي الضخم» العابر من المنطقة العربية إلى أوروبا إلى أميركا وسواها من الدول، وأنّه كان يُدرك أنّ هذا الحجم الضخم لوزنه السياسي في المنطقة له أعداء كثر وطليعتهم بشار وماهر الأسد، والحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وعليه سمعنا من هاني حمود أنّ «الرئيس الحريري قال: «أنا حاملة طائرات ولست دراجة واستدارتي بحاجة إلى تكويعة كبيرة»… والمحزن الوحيد في هذا الأمر أنّ الشهيد رفيق الحريري استخفّ بإجرام وإرهاب بشار الأسد وأعوانه، ووثوقه بالتحذيرات الدولية، ربما كان عليه أن يُلقي نظرة على ملفات الذين اغتالتهم سوريا في لبنان، لو فعلها لأدركَ أن هؤلاء لا يملكون حلولاً سوى القتل!! وقد يكون أخطر ما سمعناه بالأمس أثناء إدلاء هاني حمود بشهادته هو وصف الرئيس الشهيد لـ»الطريقة التي سيعتمدها بشار الأسد لتكسير لبنان على رأس الحريري، وبأيّ أداة؟!
ببساطة سأل الرئيس الشهيد رفيق الحريري مستشاره: إذا طلب السوريين من حزب الله تنظيم تظاهرة من الضاحية إلى وسط بيروت، هل ستخرج تظاهرة؟ أجابه مستشاره «نعم» سيخرج حزب الله، وأتبع السؤال الأول بسؤال آخر: إذا نشر السوري ثلاثين قناصاً على طريق المدينة الرياضية وأطلقوا النار على عدد من المتظاهرين وسقط منهم ضحايا، ما الذي سيحدث حينها؟ هنا أجاب حمود الإجابة الشافية: «سيحرقون بيروت»…
ما يُنفّذه حزب الله منذ العام 2006، منذ نصبوا خيمهم ومنعوا الحركة وحاولوا إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وعطلوها بحجة الميثاقيّة، ألم يكن هذا إحراق للبنان وشلّه تمهيداً لتدميره لاحقاً على رؤوسنا في 7 أيار العار، وهذا التدمير بدأ فعلياً وبأمر من بشار الأسد صباح الأحد 8 آذار 2005 عندما خرج علينا حسن نصرالله ليوبخنا ويخوفنا بشعاره: «شكراً سوريا»!!
* أعتذر عن غياب الهامش يوم أمس بفعل وعكة صحيّة ألمت بي بسبب الطقس الصحراوي الذي ضرب بلادنا والجفاف في الرطوبة مع تجاوز ارتفاع الحرارة سقف الواحد وعشرين درجة… والحمدلله على كلّ حال