أكمل هنيبعل معمّر القذّافي ثلاثة أعوام في السجن. لم يُحقّق مِن توقيفه أيّ تقُّدمٍ بعد. لم يُدلِ ابن الزعيم الليبي الراحل بأيّ معلومة جديدة حول مصير الإمام موسى الصدر ورفيقيه، كما لم يُصدر المحقّق العدلي قراره الظنّي بعد، فيما يقبع القذّافي داخل زنزانة صغيرة في سجن فرع المعلومات في مقرّ المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. لا يبدو أنّ أملاً في الأفق يلوح بخروجه بعد فشل عدد من الوساطات
لا يقبل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أي مراجعة في قضية هنيبعل معمّر القذّافي. حتى وساطة المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، لم يُكتب لها النجاح. يُصرّ برّي على أنّ المسألة، برمّتها، لدى القضاء، رافضاً كل ما يحكى عن «احتجاز سياسي». هذا ما تؤكّده مصادر رئيس حركة أمل، وكذلك مصادر لجنة المتابعة الرسميّة لقضية إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، مشيرة إلى أنّ القذافي يُحاكَم أمام القضاء اللبناني في قضيتين: الأولى أمام المحقق العدلي، القاضي زاهر حمادة، في جرم كتم المعلومات (في قضية اختطاف الصدر) والتدخّل اللاحق بالخطف، أما الثانية فأمام قاضي التحقيق في بيروت في جرم التحريض على خطف المواطن اللبناني حسين حبيش (الذي اختُطِف في ليبيا بعد توقيف هنيبعل في لبنان، وطالب خاطفوه بتحرير هنيبعل). كذلك يُنفِّذ القذافي خلاصة حكم صادر عن محكمة استئناف جزاء بيروت في جرم تهديد القضاء اللبناني وتحقيره، بعدما حُكِم عليه بالسجن، في هذه القضية وحدها، مدّة سنة وثلاثة أشهر. مضت ثلاث سنوات والقذافي قيد «التوقيف الاحتياطي» سجيناً في لبنان، بعدما كان بمثابة «لاجئ سياسي» في سوريا، قبل أن يُخطف من هناك وتوجَّه التهمة للنائب السابق حسن يعقوب بارتكاب جريمة الخطف. آنذاك، وبعد مدّة وجيزة، تسلّمت الأجهزة الأمنية اللبناني القذافي وتم توقيف يعقوب مدّة سبعة أشهر، على خلفية عملية الخطف نفسها. تلك العملية حصلت في شهر 12 عام 2015. لم يخرج يعقوب من السجن، وهو نجل الشيخ محمد يعقوب، الذي خُطف مع الصدر في ليبيا قبل أربعين سنة، إلا بعد جولات من الوساطات والاعتصامات في الشارع. المهم، هذا أصبح من الماضي. الآن ماذا عن القذافي؟ محامي الأخير، وهو وكيل لعائلة القذافي، اشتكى أخيراً في مقابلة مع وكالة سبوتنيك الروسية من استمرار التوقيف، معتبراً أن ما يحصل «يمس بسمعة القضاء اللبناني واستقلاله». ذهب الوكيل بعيداً عندما وضع الأمر في خانة «الطائفية». إنما عموماً، وبعيداً من هذه المبالغات، ما الوضع القانوني للقذافي حالياً، وإلى متى يبقى سجيناً وعلى أي خلفية؟ كان طفلاً صغيراً يوم خَطف والده، بحسب القضاء اللبناني، الإمام موسى الصدر ورفيقيه. الكثير من الأسئلة التي تُطرح في الأروقة المغلقة، لكن لا أحد يجرؤ على طرحها في العلن، مثل: ماذا يستفيد لبنان من استمرار توقيف ابن القذافي؟ ما حقيقة المبادرة التي قام بها أحد الإعلاميين بلقائه أحد أركان حكم معمّر القذافي، أحمد قذاف الدم في مصر، طالباً مبالغ ضخمة من المال لحل قضية هنيبعل؟ إلى متى يبقى القذافي موقوفاً… أما مِن أمد للتوقيف الاحتياطي؟ هل يستأهل القذافي أن يخرب الرئيس بري علاقته بالرئيس السوري بشار الأسد؟ وأكثر من ذلك، مَن مِن اللبنانيين سيفاجأ إذا ما أعلن عن استشهاد الإمام الصدر ورفيقيه بعد مرور أربعين عاماً على جريمة اختطافه؟ لماذا يبقى هذا الجرح مفتوحاً طالما أن غالبية الأدلة تشير إلى قتل الإمام؟ هذه أسئلة، وبتعابير ربما أقسى، تُطرح في الخفاء.
يُؤكّد القاضي الشامي أنّ الإمام الصدر كان حيّاً بين ثلاثة سجون لمدّة لا تقلّ عن عشرين سنة
تستعيد مصادر عائلة الإمام الصدر تفاصيل يوم طُلِب الاستماع للقذافي كشاهد، قبل ثلاث سنوات، حيث كانت مفاجأة المحقق العدلي في مضمون الشهادة. يومها كان يمكن القذافي أن يغادر بعد الاستماع لشهادته، على رغم أنه مطلوب لـ«الانتربول»، لكنه أبلغ القاضي نُتفاً من عدة روايات، قبل أن يقول: «لا أُكمل كلامي إلا عندما أصعد الطائرة». هنا اعتبر القضاء أنه ارتكب جرم كتم معلومات. وخلافاً لما يُشاع، بحسب المصادر القضائية، فإنّ القضايا المحالة على المجلس العدلي لا يسري عليها أمد التوقيف الاحتياطي. في المقابل، ماذا يفعل المحقق العدلي منذ ثلاث سنوات إلى اليوم؟ تجيب المصادر: «المحقق العدلي يستكمل إجراءات التبليغات لبقية المدعى عليهم، ويستكمل بعض نواحي التحقيق في المضمون، تمهيداً لإصدار القرار الظني». غير أن هذه الفترة قد تطول وتقصر تبعاً للمسار، ما يعني أنها مفتوحة، وقد تمتد سنوات.
تُعلّق مصادر مقربة من الرئيس بري وعائلة الإمام الصدر لـ«الأخبار» على ما يتردد عن وساطات تُبذل لإنهاء توقيف القذّافي، كاشفة عن «مسعى بذله اللواء عباس إبراهيم في محاولة لإيجاد كوّة في الجدار، لكن نتيجته كانت مثل بقية النتائج». وتضيف المصادر: «أي مسعى يلتزم الثوابت نرحب به ونشكره، لكن هناك جهات أخرى، غير اللواء إبراهيم، تسعى لمصالح وطموحات وهذه لا تعنينا». تلفت المصادر نفسها إلى «وجود تخبط بين عائلة القذافي المقيمة في عُمان وسيف الإسلام المقيم في مكان ما في ليبيا، إذ يُحكى أن الأخير قيد الإقامة الجبرية تحت رحمة مسلحي الزنتان». أما في شأن المعلومات التي تتحدث عن أنّ اللواء عباس إبراهيم حمل رسالة من الرئيس الأسد إلى الرئيس بري، بشأن توقيف هنيبعل، فتتحدث المصادر عن «عتب معاكس» على القيادة السورية، مشيرة إلى «وجود خلاف في الرأي مع الرئيس الأسد والقيادة السورية، لجهة استقبال واستضافة هنيبعل، من دون إعلام الأطراف اللبنانية بذلك». تضيف مصادر «لجنة المتابعة» قائلة: «نحن لم نخطف هنيبعل ولا علاقة لنا بذلك. فقبل ثلاث سنوات وأسبوعين، أي يوم الجمعة في ١١/١٢/٢٠١٥، وفور الإعلان عن وجود هنيبعل في لبنان، أعلنت لجنة المتابعة أنه ليس لديها أي علم أو علاقة بالخطف». تنطلق المصادر من ذلك لتقول: «الموضوع ليس له أي طابع سياسي، فليعذرنا الإخوة في سوريا».
من جهته، ينفي رئيس لجنة متابعة قضية الإمام الصدر ورفيقيه القاضي حسن الشامي في حديث لـ«الأخبار» كل ما يُحكى عن «المساومة والمقايضة»، قائلاً: «لم نقبل في يوم من الأيام أن يقايضنا الليبيّون على شيء. القذّافي موقوف لارتكابه جرائم تبعاً للقضاء اللبناني، وما يُحكى عن أنّه رهينة هو تزوير وتحوير للواقع». يُضيف الشامي: «ما يُحكى عن أنّ سيف الإسلام سيحكم ليبيا، كلام تتبناه شخصيات لبنانية لاستدرار المال الليبي وإعادة الماضي».
ادّعى القضاء على هنيبعل بتهمتي كتم معلومات والمشاركة اللاحقة بالخطف
كانت ترافقت مع توقيف القذافي معلومات تفيد بأنّ وضعه الصحي سيء، فماذا لو توفي داخل السجن؟ يجيب القاضي بالقول: «كل الإشاعات التي أُطلِقت عن وضعه الصحي غير صحيحة، فمنذ توقيفه لم يمكث ليلة واحدة في المستشفى. القذافي يقيم في غرفة لائقة صحياً وبيئياً، ويتصل بعائلته أكثر من مرة خلال الأسبوع. يزوره أقاربه وأصدقاؤه ووكلاؤه باستمرار. مردّ تلك الإشاعات سعي البعض للسمسرة عبر استغلال عائلة الموقوف، بهدف الحصول على المال، لا سيما من العائلة المقيمين في سلطنة عمان (شقيقته عائشة ووالدته صفية وأخوه الأكبر محمد). ولنفترض أنّه توفّي، فالأعمار بيد الله. لا نتمنى المكروه والموت إلا للصهاينة». هكذا، وبحسب لجنة المتابعة، فإن «العقدة الأساس» يحمل وزرها الجانب الليبي، لأنّ «هناك حالة ضعف وضياع وعدم وفاء بالوعود لأسباب نجهلها، علماً أننا في الأساس، ومنذ بداية التواصل، كان موقفنا واضحاً جداً. حتى البيان الوزاري للحكومة في لبنان هو ضد أي تطبيع مع الجانب الليبي الرسمي، إلا بشرط التعاون في قضية الإمام الصدر. من داخل ليبيا، عندما كنا هناك، قلنا إننا نرفض فتح سفارة ليبية في بيروت ولا يمكن فتح خط طيران مباشر قبل التعاون في قضية الإمام، هذا الموضوع غير قابل للنقاش». وتضيف المصادر: «هذا الحظر سيبقى موجوداً، ولا يتأمل أحد حصول خرق إطلاقاً إن لم يتعاونوا». ماذا تعني عبارة «يتعاونوا» أو كيف تُترجم؟ الجواب: «يعني أن يُنفِّذوا مذكرة التفاهم الرسمية بين البلدين لجهة تفعيل التحقيقات وتزويدنا بالمستندات».
أخيراً، ورداً على سؤال حول «إعلان استشهاد» الإمام الصدر، يقول الشامي: «إذا ما أُعلن أن موسى الصدر استشهد… أقول لك إن محبي الإمام صنفان، صنف أصابه اليأس، وصنف آخر ما زال يأمل، خصوصاً في ظل عدم وجود مؤشرات تدل على الوفاة». هل يُعقل أن يظل أي شخص، في ظروف سجن نظام ظالم، وعلى مدى عقود، على قيد الحياة؟ يُجيب الشامي: «مع مضي سنوات على سقوط نظام القذافي، ربما نقُص الأمل لدى البعض، لكننا نؤكد أنه لم تثبت الوفاة، والمعلومات تفيد بأن الإمام نُقِل بين ثلاثة سجون على الأقل، وأنه بقي حياً لمدة لا تقل عن عشرين سنة، وهذه المعلومة ثابتة».
من ملف : هنيبعل القذافي… أوقِفوا هذا التعسّف