شكّل خطف هنيبعل معمر القذافي من سوريا الى لبنان، ثم تحريره فتوقيفه، فرصة استثنائية في تاريخ قضية خطف الإمام موسى الصدر ورفيقيه، ووضع أهلها، للمرة الأولى منذ 38 عاماً، في مواجهة مباشرة مع طرف خيط قد يوصلهم إلى نهاية النفق. خيط لن يتخلوا عنه برغم الجدل حول قانونية توقيف النجل الأصغر للزعيم الليبي الراحل
في خطابه الأخير في ذكرى تغييب السيد موسى الصدر ورفيقيه، استعرض رئيس المجلس النيابي نبيه بري المساعي التي يبذلها من أجل كشف مصيرهم «رغم المزايدات والكلام المر» غامزاً من قناة بعض المعنيين بالقضية كالنائب السابق حسن يعقوب نجل الشيخ المغيّب محمد يعقوب.
وضع بري نقطة على السطر، في رده على اتهامه بالمسؤولية عن استمرار توقيف هنيبعل معمر القذافي أو عقد صفقة مع ليبيا لتسليمه وصولاً إلى بث الشائعات عن مقتل الصدر ورفيقيه في اليوم الثالث لاختطافهم، وجزم «أننا نعمل مع عائلة الامام الصدر وفق ثوابت. ولم يثبت لدى أي جهة، لا في لبنان ولا خارجه، أن حياة أحد الأحبة الثلاثة قد انتهت. لن نسمح بأي علاقات مشبوهة أو تطبيع للعلاقات مع ليبيا قبل أن تنجلي القضية».
بحسب تسجيلات صوتية، أقدم يعقوب الابن على «خطف القذافي اللاجئ السياسي في سوريا، واستدرجه إلى البقاع حيث حرّرته قوة من فرع المعلومات». في 11 كانون الأول الماضي، تحوّل المحرر إلى موقوف بموجب مذكرة صادرة عن الإنتربول بطلب من الحكومة الليبية. في اليوم التالي، قدّمت عائلة الصدر طلباً أمام المحقق العدلي الناظر في الملف القاضي زاهر حمادة للاستماع إلى هنيبعل كشاهد. وفي 14 كانون الأول، أصدر الأخير مذكرة توقيف بحق القذافي بجرم كتم المعلومات.
بحسب رئيس لجنة متابعة قضية الصدر، القاضي حسن الشامي، فإن القذافي الابن أدلى أمام حمادة «بمعلومات كثيرة تتعلق بالجريمة وامتنع عن البوح بالمزيد حتى يخلى سبيله». الشامي نفسه قابل هنيبعل في 16 كانون الثاني الماضي، ناقلاً عنه تأكيده امتلاكه معلومات عن مصير المغيبين الثلاثة. منها اعترافه بأنه «سمع بأن الصدر ورفيقيه كانا في أحد المعتقلات السياسية في إحدى ضواحي طرابلس، وأن عدداً من أركان حكم والده كانوا مسؤولين عن اختطافه».
أوقف يعقوب مع ابن خاطف والده بجرم الخطف. ومددت فترة توقيفهما الاحتياطية التي يحددها القانون بستة أشهر.
يعقوب أمضى سبعة أشهر قبل أن يخلى سبيله قبيل حلول ذكرى تغييب والده. فيما لا يزال القذافي ينتظر رغم مرور تسعة أشهر على توقيفه. علماً أنه لا يزال موقوفاً لدى فرع المعلومات في مقره الرئيسي في الأشرفية ولم ينقل إلى رومية على غرار يعقوب.
ماذا في مسار توقيف هنيبعل؟
تفنّد المحامية بشرى الخليل القرائن القانونية التي تؤكد أن وكيلها السابق «معتقل سياسي»، و»يحاكم لأنه ابن القذافي». وتؤكّد أن تهمة كتم المعلومات الموقوف بموجبها «لا تنطبق على الأصول والفروع والأزواج بحسب المادة 410 من قانون العقوبات». أما في ما يتعلق بتهمة التدخل اللاحق بالخطف، فإن «فعل الخطف هو في حين وقوعه ولا يوجد في النصوص مصطلح (التدخل اللاحق). التدخل هو الاشتراك في التخطيط للفعل وتنفيذه. حينها كان هنيبعل في الثانية من عمره. ولاحقاً أصبح ضابطاً بحرياً ولم يشغل مناصب أمنية في عهد والده». وعن تحميل الطبيب اللبناني حسين حبيش القذافي مسؤولية خطفه في ليبيا للضغط لإطلاق سراحه، تساءلت الخليل: «كيف يمكن لموقوف في عهدة فرع المعلومات الذي يحضر عناصره لقاءاته مع زواره ويسجل مكالماته الهاتفية، أن يوعز باختطاف أحد ما؟».
يرفض الشامي اعتبار هنيبعل معتقلاً سياسياً. ويقول لـ»الأخبار»: «لسنا في دولة ديكتاتورية. هو موقوف بناء على مذكرة التوقيف وتطبق عليه الأصول القانونية أمام حمادة»، مذكراً بأن الهيئة العليا لمحكمة التمييز «رفضت طلب تنحية حمادة عن القضية بسبب عدم قانونية الاتهام الذي يحاكمه به». ولفت إلى أن عائلة الصدر ادّعت قبل أيام على هنيبعل أمام مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود «بتهمة التدخل اللاحق بخطف الصدر مستندة الى قرائن عدة تثبت تورطه اللاحق في استمرار الخطف، لا سيما أنه كان ركناً في نظام والده الأمني». وعزا الشامي «الأضاليل التي رافقت القضية وأداء اللجنة منذ توقيف هنيبعل»، بأنها «إما محاولة البعض لإرضاء القيادة السورية أو لمذهبة القضية وتحويلها إلى سنية ــ شيعية».
في خطابه، أشار بري الى أن هنيبعل «مطلوب في بلاده بملف حجمه ألف صفحة مرسل من المدعي العام في وزارة العدل الليبية الى المدعي العام التمييزي في لبنان». فهل يقدم لبنان على تسليمه إلى بلاده؟ تعدد الحكومات في ليبيا انعكس على القضية، برغم أن بري جزم «أننا لا نعترف بأي حكومة، وأن لجنة المتابعة تواصلت مع المدعي العام». بعيد توقيف هنيبعل، أبلغ وزير العدل في الحكومة الليبية المؤقتة (مقرها البيضاء) وزير العدل أشرف ريفي بأن هنيبعل «ليس مطلوباً». في حين أن السفير اللبناني في طرابلس الغرب نقل إلى وزارة العدل قبل حوالي ستة أشهر طلباً من حكومة الوفاق الوطني (مقرها طرابلس) لتسلّمه. مصدر مواكب للقضية قال لـ»الأخبار» إن هنيبعل أمام مصيرين، إما سجنه في لبنان او تسليمه إلى ليبيا.
الشامي أشار الى أن لجنة المتابعة ستتوجه إلى طرابلس الغرب قريباً لاستكمال جمع المعلومات الميدانية عن الجريمة. علماً بأن وفداً من اللجنة برئاسة الشامي زار ليبيا بناء على دعوة من المدعي العام في آذار الفائت وقابل الساعدي القذافي، شقيق هنيبعل، وضباطاً موقوفين بجرم التورط في خطف الصدر ورفيقيه.