مؤتمر باريس حصد 370 مليون دولار أميركي مساعدات إنسانية
إعادة الإعمار جزء من خطة إقتصادية شاملة للحكومة… هذه معالمها
جريمة مرفأ بيروت «فضيحة» هزّت مشاعر المجتمع الدولي وغيّرت حياة اللبنانيين وخلّفت خسائر بشرية لا تُقدّر بثمن مع تداعيات نفسية هائلة وخسائر إقتصادية تتخطّى قدرة لبنان على إمتصاصها، ولكنها لم تحرك ضمائر الساسة وأولي أمر الطبقة الحاكمة اللبنانية المتحصنة خلف قساوة القلوب الإسمنتية. عمليًا التداعيات مُتعدّدة الأبعاد وتطال الشق البشري، والإجتماعي، والإقتصادي، والمالي، والنقدي، وأيضًا السياسي. هذا الأخير يُعتبر من الأكثر خطرًا على الإقتصاد اللبناني نظرًا إلى البعد الخارجي لهذا الشق.
الجريمة التي دمّرت 80% من المرفأ المستهدف والخسائر الإقتصادية هائلة وهي تنقسم إلى قسمين خسائر مباشرة وخسائر غير مباشرة. الخسائر المباشرة هي خسائر ناتجة عن تدمير المرفأ والأبنية المجاورة والسيارات والمُعدّات… المنطقة المجاورة (تمتد على دائرة بقطر 10 كم) تنقسم إلى ثلاثة أقسام: المنطقة الملاصقة للمرفأ حيث الأضرار كبيرة وتطال المباني وكل ما هو حولها، والمنطقة التي تليها والتي تحوي على أضرار متوسطة، والمنطقة الأبعد وهي التي تحوي على أضرار طفيفة (مثل كسر زجاج أو خلف باب أو نافذة…). تكلفة إعادة إعمار المرفأ بالمواصفات القائمة قبل الإنفجار تتراوح بين 200 و500 مليون دولار أميركي بحسب الأضرار التي طالت أرضية المرفأ. أما المناطق المجاورة فتبلغ كلفة إعادة إعمارها ما بين الـ 500 والمليار دولار أميركي كحد أدنى. الخسائر غير المباشرة هي الخسائر الناتجة عن فقدان الفرص الإقتصادية Opportunity Loss التي تشمل توقف الشركات عن العمل في القطاع السياحي والتجاري والخدماتي والصناعي. وبما أن الدولة كانت لتأخذ ضرائب على هذه الأعمال لو تم القيام بها، لذا هناك خسائر على المالية العامة. وتُقدّر الخسائر غير المباشرة ما بين الثلاثة والأربعة مليارات دولار أميركي (الصعوبة في التقدير تأتي من منطلق أن هناك إقتصادًا غير رسمي كان قائمًا قبل الإنفجار وبالتالي ومع غياب الأرقام عن حجم الأعمال الدقيق، هناك شبه إستحالة لإعطاء أرقام بدقة).
إضافة إلى هذه الخسائر المالية، هناك خسائرأعظم لا يمكن تعويضها ماديًا وهي المرتبطة بالضحايا (218) والجرحى (أكثر من 6000) إذ لا يُمكن تعويض خسارة نفس إنسانية!
قسم من معاناة اللبنانيين الحالية تعود إلى ضرب المرفأ خصوصًا أن 70% من التبادل التجاري الذي كان قائمًا قبل الجريمة، كان يمرّ عبر المرفأ. لذا اليوم ومع 20% من قدرة العمل الأساسية، تحوّل قسم من التبادل التجاري إلى كلٍ من طرابلس وصيدا وغيرها من المرافئ اللبنانية. إلا أن هذه المرافئ غير قادرة على تأمين ما كان يُقدّمه مرفأ بيروت لعدة أسباب لوجستية.
لذا هناك ضرورة لإعادة إعمار المرفأ نظرًا إلى أهمية هذا المرفق العام في الاقتصاد اللبناني لاسيما مع نشوء مخاطر جدية التي بدأت تُشكلها مرافق أخرى على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط، وبالتالي أصبحت إعادة الإعمار حاجة ملحة للبقاء وباب رئيسي لإستعادة عافية الاقتصاد وتحقيق النمو الاقتصادي. على هذا الصعيد، لا تملك الدولة اللبنانية الأموال للقيام بهذا الإستثمار، لذا هناك ضرورة للتعاون مع القطاع الخاص للقيام بهذا الأمر وهو ما سبق أن كان موضوع عروض من عدّة دول وشركات أجنبية (فرنسية، ألمانية، روسية…). بالطبع هذا الأمر يحتاج إلى توازنات سياسية على صعيد التوازن الإستراتيجي القائم بين الدول العظمى ولكنه يحتاج قبل كل شيء إلى حكومة أصيلة قادرة على وضع إعادة الإعمار ضمن رؤية وإستراتيجية إقتصادية تسمح للبنان بالخروج من الأزمة والعودة إلى الإندماج في الاقتصاد العالمي.
الجدير ذكره على هذا الصعيد، أن هناك رؤى إستراتيجية للعديد من الدول لما قد يكون عليه دور مرفأ بيروت في الإستراتيجيات الإقتصادية لهذه الدول وعلى رأسها إعادة إعمار سوريا. من هذا المنطلق، فإن إعادة إعمار المرفأ لن تُعيده إلى الحالة التي كان بها قبل الإنفجار بل سيكون هناك تطوير في بنيته التحتية تسمح بالإستجابة لمتطلبات الخدمات المطلوبة منه وهو ما يُكلف أكثر بكثير من الأرقام المطروحة أعلاه.
على صعيد أخر، إنعقد المؤتمر الثالث لدعم لبنان بعد 4 آب 2020 بدعوة فرنسية وبحضور رؤساء 46 دولة ومؤسسة دولية. ونجح المؤتمر بحصد وعود بأكثر من 370 مليون دولار أميركي مُساعدات إنسانية وهو ما يتخطّى الرقم الذي قدّره البنك الدولي والبالغ 357 مليون دولار أميركي. يُذكر أن المؤتمر الثاني جمع 280 مليون يورو والمؤتمر الأول جمع 257 مليون يورو. وبحسب رؤية قدمتها الدولة الفرنسية سيتمّ إستخدام هذه الأموال في قطاعات أساسية تُشكّل تحدّيًا: الغذاء والصحة والتعليم والتدريب بالإضافة إلى إعادة الإعمار. وبحسب الرؤية الفرنسية ستستجيب فرنسا بإرسال 80 مليون يورو موزّعة على القطاع الغذائي على شكل «طرود غذائية عينية (2.4 مليون) وتوزيع الإعانات على الجهات الفاعلة المشاركة محلياً في توزيع المواد الغذائية، سواء كانت منظمات غير حكومية أو منظمات دولية (3.5 مليون يورو)». وسيتم أيضًا دعم القطاع الصحي بـ 22 مليون يورو ستذهب مباشرة إلى المستشفيات من دون المرور بالسلطات الرسمية. أما حصة التعليم والتدريب من المساعدة الفرنسية فتبلغ 42.8 مليون يورو سيتمّ دعم الأهالي والمدارس بها مباشرة. أما فيما يخصّ إعادة الإعمار (الإقتصاد والتراث والثقافة)، فتبلغ قيمة الدعم الفرنسي 6.8 مليون يورو. بالإضافة إلى هذه القطاعات، تهتم فرنسا بإعادة إعمار مرفأ بيروت ودعم الجيش اللبناني لضمان الاستقرار الاقتصادي والأمني في لبنان.
هذه المساعدات سيواكبها على صعيد أخر عقوبات فرنسية، بحسب موقع الـ MTV، على شخصيات من محيط السياسيين من الصف الأول وتتضمن تجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة في فرنسا بالإضافة إلى منع هؤلاء من الدخول إلى فرنسا. وهذا الأمر سيؤدّي حكمًا إلى تضييق الطوق على أصحاب القرار وهو ما تأمل فرنسا أن يُعطي دفعًا لتشكيل الحكومة التي أصبح وجودها أمرًا ضروريًا والمخرج الوحيد ليأمل لبنان الخروج من أزمته المتعدّدة الأبعاد والتي أصبحت تُشكّل تهديدًا للكيان البشري وكيان الدولة بحدِ ذاته.