كشفت عملية اسر الجنود اللبنانيين لدى تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش» الارهابيين، عن الخلل الكبير في العلاقات بين الاجهزة الامنية، وغياب التنسيق بين بعضها بعضاً، خصوصاً في مثل حالة الخطف والاسر اولاً، والجهة الخاطفة ثانياً التي اثبتت في كثير من الحالات المشابهة، انها لا تسأل عن قيم واعراف وقوانين محلية ودولية، ترعى اوضاع الاسرى وحقوقهم، بل ان لهذه التنظيمات الارهابية «قوانينها» الخاصة التي «تحلل» لها خطف الناس وذبحهم، وسبي النساء وبيعهم بالمزاد العلني، والاحتفال بحفلات قتل جماعية، بالصوت والصورة امام اعين العالم كله، وكان على هذه الاجهزة ان تزين خطواتها بكثير من الدقة والوعي والتنسيق، لمعرفتها ان عدوها ليس دولة معترف بها دولياً، وتتشارك مع لبنان في المؤسسات الدولية، بل عدوها عصابة مسلحة ترتكب الجرائم كمن يشرب الماء، ولا تقيم وزناً لأي عامل اخلاقي، وبالتالي لا يصحّ التعامل او التفاوض، كما ولو انهما يتمّان مع دولة قائمة، واصبح من الضروري التنازل عن بعض القيود والاعتبارات التي تقيّد الدولة، حتى ولو كانت دولة بالاسم، كما هي دولة لبنان اليوم، وما كشفه امس وزير الداخلية نهاد المشنوق لقناة العربية عن «الخطأ الكبير» الذي ارتكبه الجهاز الامني الذي اوقف سجى الدليمي وعلا جركس، من ادانة مباشرة لهذا الجهاز الذي تصرّف ـ وفق المشنوق ـ من دون اي تنسيق او معرفة لباقي الاجهزة وربما ايضاً للسلطة السياسية، خصوصاً أن ليس هناك اي اثبات عن تورّط الموقوفتين بأي عمل امني، او انهما كانتا تحضّران لعمل امني، وكان توقيفهما الذريعة التي ينتظرها الارهابيون لتنفيس حقدهم واجرامهم باعدام الجندي الشهيد علي البزّال، وتهديد عائلات الجنود الاسرى بقتلهم وقتل عائلاتهم واولادهم ونسائهم.
هذا التصرّف، مضافاً الى ارباك الحكومة، وعجز خلية الازمة والخلافات داخل مجلس الوزراء، والتطويل في بت هذه القضية الحساسة، وفتح الباب امام الحسابات الدولية والاقليمية، وتضارب المصالح، وفوضى التفاوض، حوّلت لبنان كله، الى رهينة بيد الارهابيين، يفرضون علينا متى تفتح الطرقات ومتى تغلق، متى يستنفر اهالي المخطوفين، ومتى يهدأون، متى يستقبلون المفاوض ومتى يرفضون، واصبح واضحاً ان كل خطوة او قرار او اتصال تقوم بها التنظيمات الارهابية، الهدف منها، تعميق الخلافات ليس بين ا هل الحكم فحسب، بل ايضاً بين السنّة والشيعة، وبين المسيحيين والمسلمين، وبين اهل المخطوفين وقيادة الجيش، حتى ان ردود فعل الوزراء والنواب والقيادات السياسية، في معظمها، تقع في شكل وآخر تحت ضغط مطالب التكفيريين وتصرفاتهم، ولا يستبعد غداً ان يطالب الارهابيون باغلاق المؤسسات العامة، او المدارس والجامعات، او غيرها والا اعدموا جندياً من ابنائنا.
قلت سابقاً، واكرر الآن، هذه الحكومة، ليست بحجم هذه المرحلة الصعبة، وخصوصاً في غياب رئيس للجمهورية.
حكومة الرؤوس المتعددة، والاجهزة المتعارضة، لا يمكن ان تؤمنا الامان للمواطنين، ولا ان تأخذا البلاد الى شاطىء الامان.
اهم ما يميّز الحكومات في الاحداث المصيرية التي يعيشها اللبنانيون، ذوبان الجميع في القرار الموحّد الشجاع، ووضع جميع الخلافات والاختلافات جانباً، بانتظار انحسار الخطر المحدق بالبلاد، اما ان يطلع كل وزير يومياً برأي او موقف يثيران الاعتراض داخل مجلس الوزراء وخارجه، ويقسمان الشعب بين مؤيد ومعارض.. فهذا من عمل حكومات دول العالم الثالث والرابع، كما ان ترك وسائل الاعلام «داشرة» وتتزاحم على ابراز الفتنة، وتصب الزيت على النار، وتعمل ما يريده الارهابيون ويفيدهم، تحت حجة الحريات العامة، فهذه جريمة تتغاضى عنها الحكومة، او تقف حيالها عاجزة، لانها شركة مساهمة وليست حكومة المصلحة الوطنية، التي كان يترقبها المواطنون.
الم يحن الوقت ليدرك المسؤولون انهم اضاعوا البوصلة في معالجة قضية الجنود والاسرى؟
يا جماعة الخير، قال مرة الرئىس الشهيد الشيخ بشير الجميل «يجب ان تقولوا الحقيقة، قد ما تكون الحقيقة صعبة» والحقيقة ان هذه الحكومة.. فاشلة… فاشلة..