Site icon IMLebanon

بالكاد…”دولة الضرورة “!

ما دام الوسط السياسي يجد نفسه عاجزاً عن احياء مؤسسات الدولة بدورتها الأقل من طبيعية ومرتعباً في الوقت نفسه من انهيار كل بنى الدولة، لن نفاجأ إن سمعنا يوماً عن مفهوم جديد ينادي بـ”دولة الضرورة”. والحال ان إسقاط طابع الضرورة على التشريع او على عمل الحكومة هو أشبه بمن يبحث عن اجتهادات وتفسيرات وفتاوى مزاجية لتبرير طبائع “نكدية ” حيال الدستور والمؤسسات والدولة. ومع ذلك ارتضى كثيرون السير في مسار الاجتهادات التي فرضها الفراغ الرئاسي، ولكن يبدو ان فائض التعطيل الذي بلغ حالياً مستويات قياسية لم تعد تلائم أهداف المعطلين سيجرف البلد الى ضفة مختلفة في استنباط مفاهيم انقلابية جديدة تبرر التعطيل كقاعدة حكم.

يجري الآن “استعطاف” قوى سياسية ان تسهل انعقاد “جلسة الضرورة” لمجلس الوزراء المحصورة بأزمة النفايات وخطتها الآيلة الى هلاك حتمي بعد اكثر  من ثلاثة اشهر من المماحكات الفاشلة. يجري كذلك التمهيد لهجوم ودي بكل ما سيؤتى معه رئيس المجلس من براعة ودهاء في اتجاه قوى سياسية اخرى من اجل الافراج عن جلسة الضرورة التشريعية، ولو واحدة ولمرة فقط، لتمرير رزمة المشاريع والقوانين المتعلقة بالمساعدات والهبات والقروض الدولية للبنان. وما بين موجة حكومية من هنا ونيابية من هناك تكون قد مرت ٣٠ مرة و٣٠ محاولة لعقد جلسات الضرورة لانتخاب رئيس للجمهورية التي يجري تطبيعها وتأهيلها مع واقع ان لبنان لم ينفجر بعد ١٨ شهراً بلا رئيس، فلم العجلة إذاً!؟

لا ندري من أين ابتُكر هذا المفهوم العجيب للمراحل الانتقالية بحيث تغدو صفة “الضرورة” كأنها الدائم الباقي فيما الأصول التي ترعى الظروف الانتقالية تُسحق تحت وطأة الفتاوى والاجتهادات الخبيثة.

لعلنا هنا أمام استعارة فاشلة جداً لمطلق صفة الضرورة على اتفاق الطائف المرجع الكبير الراحل محمد مهدي شمس الدين الذي باطلاقه تسمية “اتفاق الضرورة “على ميثاق الطائف آنذاك اضطلع بأحد أهم أدواره التوحيدية الميثاقية بين اللبنانيين فعلاً. ولا نريد هنا ان نتوغل في ظلم سيرة كبير من لبنان لأن بعضهم اراد الاستجارة بإحدى تسمياته فيما البعض الآخر يجنح الى تفريغ الطائف والاتفاق والضرورة وكل الضرورات من مفاهيمها فلا يبقى من الدولة إلا هياكلها الشكلية. بل اننا أمام نجاح منقطع النظير في تحويل مفهوم الدولة الى وظيفة عابرة، بالكاد ضرورية، ما دام الوسط السياسي يتوزع بين حيوية المعطلين الذين لا يتركون فرصة لانجاز فرائض التعطيل وخمول المتفرجين الذين يغسلون أيديهم من دماء الدولة بتبريرات العجز والخواء. فأي دولة ستبقى بعد هذا ما دامت الدولة الوحيدة القائمة الآن تصح فيها كل التسميات إلا الدولة؟