فيما كان الحديث قبل عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان عن حاجة تيار المستقبل إلى إعادة الهيكلة تنظيمياً وبشرياً مجرّد شعار بلا برنامج عمل، فقد أصبح بعد الإنتخابات البلدية عموماً وما جرى في طرابلس خصوصاً ضرورة لا بدّ منها.
وبدأ نواب التيار وشخصياته الإشارة إلى بدء التحضير لعقد مؤتمر عام استثنائي بين أيلول وتشرين الأول المقبلين. لم تكُن الإنتخابات البلدية حدثاً عادياً بالنسبة إلى التيار الأزرق، إذ مُني بخسائر كبيرة في العديد من البلدات والقرى التي كانت تشكل معاقل له، أو تلك التي ينتمي إليها العديد من الشخصيات القيادية في صفوفه. وإذا كان هذا الإستحقاق قد كشف عن مدى الضعف الذي أصابه، وانحسار قاعدته الشعبية، وخصوصاً أن نسبة من جمهوره قررت التصويت ضده في هذه الإنتخابات لأسباب عدة، فإنها أضاءت على حالة التصدع الكبيرة التي يعانيها جسمه التنظيمي، وابتعاد كوادره عن مزاج الناس وخياراتهم. وفيما تمحور التيار سابقاً حول شخص الرئيس الحريري، فإن الظروف الإستثنائية التي أدت به للخروج من لبنان فترة طويلة، أثبتت فشل الهرم في أن يحلّ مكانه تحديداً على صعيد التواصل مع القاعدة. فهذا الغياب ترافق مع مجموعة من الأحداث التي أفقدته ثقله نتيجة بطلان مفعول العناوين التي رفعها منذ عام 2005.
أول من أمس أعلن الرئيس الحريري «لن أعفي نفسه من المسؤولية». قال «أنا في رأس الهرم السياسي لتيار المستقبل سأتحمل النتائج مهما كانت قاسية وسأفتح العديد من الدفاتر». ما قصده الحريري في آخر جملة، فسّرته مصادر تنظيمية في تيار المستقبل بأنه «إشارة إلى فتح باب المحاسبة ضد كل من قصّر وتهاون في عمله داخل التيار، وخصوصاً أولئك الذين يتولون مناصب قيادية في مختلف المناطق». وأشارت المصادر إلى أن فكرة المؤتمر كانت قائمة قبل الإنتخابات البلدية لكنها مثّلت مسار نقاش طويلا ومعقّدا، رأى خلاله البعض أن «لا امكانية للدعوة إلى مثل هذا المؤتمر ما دامت الأزمة المالية التي يعانيها الرئيس الحريري لا تزال في أوجها». وكانت الأولوية هي «لحلّ الأزمة المالية قبل الذهاب إلى إعادة هيكلة التيار وتغيير المنسقين واستقطاب وجوه جديدة وتسليمها مراكز قيادية». لكن الفكرة سرعان ما أصبحت ضرورة «وبات لزاماً على الرئيس الحريري أخذ قرارات حساسة في هذا الشأن لن توفر أحداً وستطاول كثيرين». وقالت المصادر أن «اعادة هيكلة التيار لن تطاول فقط الكوادر والمنسقين بل ستمتد أيضا إلى شخصيات تمثيلية وسياسية ونيابية بعدما أثبت أعضاء في كتلة المستقبل أنهم لا يمونون على 100 صوت في مناطقهم». وأشارت المصادر إلى «ثغر تحيط بالمؤتمر»، حيث إن «فكرة المؤتمر موجودة لكنها ليست ناضجة ولا واضحة المعالم». وأكدت أن « لا تصور جديا حتى اللحظة ولا أسماء مطروحة للتغيير»، مشيرة الى أن هذا الأمر طبيعي لأن التسريع بهذه الفكرة أتى «كرد فعل على انتخابات طرابلس، ولأن عناصر هذا التيار يعيشون في حالة تشتت، منهم من هو محبط ويشعر بالعجز، ومنهم من يتخبط بالبحث عن مخارج».