Site icon IMLebanon

ترؤس الحريري للحكومة الجديدة فرصة مهمّة لحل المشكلة الإقتصادية وإضاعتها خسارة للبلد كلّه

 

توسيع هوّة الخلاف مع الحريري لا يفيد في تسريع الخُطى لحل مشكلة تأليف الحكومة

 

 

ما يحدث عملياً في المشاورات والأحاديث عن تشكيل الحكومة الجديدة يبدو مغايراً كلياً لما توقعه اللبنانيون من الرئاسة الأولى

لا شك ان مصادفة انطلاق التحركات الشعبية الاحتجاجية الواسعة مع بداية السنة الرابعة لعهد الرئيس ميشال عون، تشكّل مساءلة لممارسات نصف الولاية ومؤشراً على رفض استمرار سياسات المماحكة والتعطيل المتعمد لحل القضايا والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يُعاني منها المواطن في حياته اليومية واصراراً من المحتجين على جوب التغيير الجذري في الأداء السياسي المتبع، لأنه لم يعد ممكناً الاستمرار في سياسة افتعال الأزمات الممنهجة والتهرب من الاستجابة السريعة لمطالب وحاات النّاس.

 

ولكن لا يبدو ان هذه التحركات الشعبية والاحتجاجات المطلبية المحقة في معظمها تلاقي تجاوباً من رئيس الجمهورية وفريقه الرئاسي وبعض الحلفاء كما يبدو في التعاطي مع أزمة استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري ومقاربة مسألة تشكيل الحكومة الجديدة التي يغلب عليها الامعان في سياسة التشفي واذكاء الخصومة السياسية من جهة والتغاضي عن مفاعيل ومؤثرات الاحتجاجات الشعبية على الواقع السياسي والادارة السلطوية في المرحلة المقبلة بالتزامن مع الإصرار على تكرار تجارب تركيبة تشكيل الحكومة السابقة الفاشلة بالرغم من المحاذير السلبية التي تؤشر إليها والتحذيرات من مغبة اعتمادها في المرحلة الحالية.

 

وتكاد أزمة تشكيل الحكومة الجديدة تستهلك الأشهر الأولى من بداية السنة الرابعة لولاية العهد، ولكن هذه الأزمة المستفحلة بتداعياتها الكارثية المرعبة التي باتت تثقل عيش اللبنانيين، لا يُمكن مقارنتها بالازمات السابقة التي كان المتسبب فيها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ولا سيما منها أزمة تعطيل تشكيل الحكومة المستقيلة لتسعة أشهر بهدف احكام سيطرته على الثلث المعطل فيها يومذاك وأزمة تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء قرابة الأربعين يوما لتسببه بحادث «قبرشمون» المأساوي، ومروراً بوضع العصي في دواليب مناقشة مشروع موازنة العام 2019 واستهلاك معظم وقت الجلسات المخصصة باثارة نقاط ومسائل لا جدوى منها وما إلى هنالك من ممارسات تعطيلية متعمدة للعديد من ملفات ونتائج مباريات الدخول إلى الوظائف العامة تحت عناوين طائفية شعبوية مثيرة للخلافات والنعرات بين اللبنانيين، ناهيك عن إثارة الاستفزازات السياسية المتواصلة مع معظم الزعماء السياسيين في البلاد.

 

وفي حين توقع اللبنانيون ان يبدّل الرئيس عون نهجه في تشكيل الحكومة الجديدة وان يأخذ بعين الاعتبار الواقع الجديد من كل جوانبه، فيبادر إلى المباشرة بخطوات عملية لتشكيل الحكومة من موقعه بتقريب وجهات نظر كل الأطراف والمعنيين الأساسيين بالتشكيلة الحكومية للوصول إلى تأليف حكومة تعبّر بجدية وواقعية عن مستجدات ومتغيرات الأوضاع وتستجيب للمطالب المحقّة  والملحة للمتظاهرين وتتفادى إلى أبعد الحدود إثارة الاعتراضات والرفض وتكرار نماذج الحكومات غير المنتجة قدر الإمكان.

 

ولكن ما يحدث عملياً في المشاورات والاحاديث عن تشكيل الحكومة الجديدة يبدو مغايراً كلياً لما توقعه اللبنانيون من الرئاسة الأولى التي تجاهر وتتمسك بتكرار نماذج الحكومات السابقة غير المنتجة والتي تسببت بما يشهده لبنان حالياً من تظاهرات واعتراضات شعبية، وتصر في مقاربتها على اتباع نهج الاستئثار بتسمية رئيس للحكومة لا يحظى بحيثية سياسية وشعبية ولو بالحد الأدنى المقبول من العامة.

 

وبالتزامن مع اظهار تجاهلها لموازين القوى السياسية التمثيلية المعنية، الأمر الذي أدى إلى إطالة الأزمة القائمة أكثر مما كان متوقعاً وبالطبع مع زيادة التداعيات السلبية الخطيرة على كل مفاصل الحياة العامة في البلد وبروز تعقيدات سياسية إضافية وانحدار الواقع المالي والاقتصادي نحو الأسوأ.

 

فلا التلويح باعتماد خيارات تسمية إحدى الشخصيات المغمورة لترؤس الحكومة الجديدة، بعيداً عن التفاهمات المسبقة يحل مشكلة تأليف الحكومة الجديدة كما ينقل عن الفريق الرئاسي سراً وعلانية لابتزاز الرئيس سعد الحريري، ولا توسيع شقة الخلاف وسوق الاتهامات المزيفة ضده تقرب حل مشكلة التأليف، وإنما كل هذه الالاعيب الصبيانية بمعظمها لن تحقق تقدماً لصالح هذا الفريق علي حساب غيره وإنما تزيد في تعقيد الأزمة وإطالة أمد التشكيل الذي يضرُّ بالجميع ويستهلك مزيداً من عمر الرئاسة الأولى دون طائل ويدخل البلاد في متاهات غير محسوبة ومضرة للجميع من دون استثناء.

 

والاجدى من كل ذلك تجاوز كل التباينات القائمة وانتهاز فرصة قبول الرئيس سعد الحريري بترؤس الحكومة الجديدة بالرغم من كل الاعتراضات التي يبديها بعض الأطراف لحسابات ظرفية ضيقة أو لمصالح محض شخصية، لتسريع خطى التشكيل لكي يتم الانتقال إلى مرحلة المباشرة بوضع الحلول المطلوبة للمشكلة الأساس وهي مشكلة الانهيار الاقتصادي والمالي المتسارع، لكي لا تذهب هذه الفرصة هباءً ودون جدوى، باعتبار ان ترؤس الحريري للحكومة الجديدة معزز بقاعدة شعبية وازنة وبتزكية دولية سيشكل رافعة للبنان وللعهد كذلك، في حين ان البديل الخلافي سيزيد في غرق لبنان بمشاكله وتدهور أوضاعه نحو الأسوأ.