IMLebanon

الحريري بين “خطْف” التكليف… أو البديل

 

لا تشي الحواجز الحديدية التي يتمّ تثبيتها في محيط مجلس النواب، بأنّ الأزمة الحكومية ومندرجاتها الاقتصادية والنقدية، قد تنتهي في وقت قريب. لا بل تزيد تلك الاجراءات الأمنية من التكهنات السلبية التي تنذر بمزيد من التصعيد والتعقيد والتأزيم، في ضوء انسداد الأفق وكل محاولات إحداث كوة في جدار الأزمة.

 

الخرق الوحيد الذي شهدته “بانوراما” أحداث يوم أمس، تجلى في الزيارة التي قام بها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إلى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، في محاولة منهما للتخفيف من حدّة التوتر المذهبي الذي اجتاح شوارع بيروت وصيدا وطرابلس ليل أول من أمس… والبحث على الهامش عن مخرج ما قد يعيد المشاورات الحكومية إلى سكتها السليمة بعدما انحرفت عن مسارها.

 

في المرتين الأولى والثانية التي تأجلت فيهما الاستشارات النيابية، كان البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية يشير بوضوح إلى أنّ الأمر حصل نتيجة تمني الرئيس الحريري. لم تحصل هذه الإشارة إلّا لأن رئاسة الجمهورية كانت موضع اتهام من جانب الحراك الشعبي، بأنّها تتجاوز الدستور في تأجيل موعد فتح الصندوقة الرئاسية التي ستستقبل أصوات النواب لتكليف رئيس جديد يتولى التأليف.

 

ولذا أصرّت دوائر بعبدا على توجيه الإصبع بوضوح إلى الجهة الممانعة التي تحول دون فتح أبواب القصر لاستقبال النواب، وكي تنفض الرئاسة الأولى عنها تهمة اقفال “صندوق المشاورات” بقِفل “الممانعة الرئاسية”، خصوصاً وأنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل انضم إلى ضفّة المطالبين باخراج الحريري من السراي الحكومي، لا بل تصدّر صفوفهم الأولى.

 

من المفارقات اللبنانية، أن ينقضي الشهر الأول من الحراك الشعبي، على تحييد الحريري من لهيب الشارع المنتفض، فيما ينتهي الشهر الثاني على احتراقه في نار الشوارع. يوم الاثنين الماضي، كان الحريري يخوض أقسى معاركه الوجودية بعدما صار محاصراً ومعزولاً إلّا من جانب الثنائي الشيعي.

 

لا يُحسد الرجل على موقفه. فهناك من رماه من جديد في “مصيدة” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي يواصل ممارسة ضغطه لاخراج الحريري من الملعب نهائياً وبالبطاقة الحمراء. أعادت “القوات” سبب عدم تسمية الحريري إلى عدم القدرة على مواجهة الشارع، فيما زادت الشكوك حول امكانية وجود تفاهم ضمني بين بيت الوسط والثنائي الشيعي. لدى رئيس “القوات” سمير جعجع قناعة بأنّه لا يمكن الركون إلى وعود رئيس “تيار المستقبل” بالسعي إلى تأليف حكومة اختصاصيين، خشية من أن يضع الحريري التكليف في جيبه و”يدوزن” التأليف وفق حساباته السياسية.

 

إنعدام الثقة بين حليفي الأمس، حال دون وقوف “القوات” إلى جانب الحريري، ولو أنّ جعجع حاول في مقابلته التلفزيونية التخفيف من وطأة “الصدمة” التي أثارها قراره في ذهن رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعمد إلى تفعيل قنوات “الاتصالات التطمينية” كما تفيد المعلومات، لشرح ملابسات “قرار الفجر” الذي عرّى الحريري من ورقة التين المسيحية. ولكن رغم ذلك، لا تزال استشارات يوم الخميس تواجه حائطاً مقفلاً. معادلة الميثاقية هي نفسها، ولن تكون مرشحة للتغيير طالما أنّ الثنائي المسيحي على موقفه. المتغيّر الوحيد قد يتمثل بـ”طحشة” الحريري باتجاه قبول التكليف بأكثرية بسيطة خالية من الدسم المسيحي.

 

وهذا ما يحاول الرئيس نبيه بري فعله من خلال تشجيع الحريري على خوض هذه المغامرة، لوضع ورقة التكليف في جيبه وانتزاعها من أيدي الآخرين الذين يستخدمونها كورقة ضغط عليه، ولقطع الطريق على السيناريوات البديلة، وعبور بالتالي مرحلة التكليف، وترك أمور التأليف إلى حينه.

 

لا يبدو الحريري، وفق المطلعين على موقفه، كثير الحماسة للقيام بهذه القفزة في المجهول، ولكنه لا يبدي أيضاً ممانعة مطلقة، ولذا يأخذ وقته للتفكير في الخيارات المطروحة أمامه، خصوصاً وأنّ بعض فريقه يحاول اقناعه بأسماء جديدة قد تكون بمثابة بدائل للمرحلة الانتقالية، كالنائبة بهية الحريري أو الوزير السابق خالد قباني.

 

وما يزيد من حيرة الحريري هو قناعته بأنّ ما يحكى عن ممانعة أميركية أو سعودية لعودته، لا تمتّ للواقع بصلة، كما يقول بعض المواكبين لحركة الاتصالات الديبلوماسية، الذين يؤكدون أنّ مناخات البعثات الديبلوماسية في بيروت لا تشي برغبة واشنطن أو حتى الرياض في بلوغ الأزمة اللبنانية منحدرات خطيرة إذا أقفلت أبواب التكليف على الشغور.