كي يستعيد لبنان توازنه على الصعيدين المالي والاقتصادي فهو يحتاج وبسرعة إلى ضخ أموالٍ في شكل مباشر تعيد انتظام العجلة في القطاع المصرفي وتساهم في وقف انهيار المالية العامة.
هذه الأموال لا يمكن ضخها إلا من خلال مصدرين: الأول عن طريق دول الخليج، والثاني عن طريق صندوق النقد الدولي شرط الالتزام ببرنامجه.
هذان المصدران معطلان حتى الآن بحكم السياسة، فدول الخليج لن تضخ أموالاً في ظل استمرار الحملة ضدها من قبل “حزب الله”، وبرنامج صندوق النقد الدولي مرفوض أيضاً من قبل هذا الحزب ومن قبل مؤيديه في السلطة وخارجها.
إزاء هذا الواقع تقف الحكومة اللبنانية عاجزةً عن اتخاذ أي قرارٍ يساهم في ضخ الأموال، فهي في البداية عاجزة عن مصارحة اللبنانيين بهذا الواقع، وعاجزة عن الصدام مع “حزب الله”، فلم يتبقَ أمامها سوى أن تتذرع بـ”التركة الثقيلة” للحريرية السياسية كي تبرّر عجزها عن اتخاذ قرار.
إن هذه الحكومة أصابها ما أصاب رجلاً مريضاً أتى من نَصَحه بالذهاب إلى طبيب قيل إنه يجترح العجائب، فذهب إليه حاملاً معه ملفه الطبي، وعندما اطلع هذا الطبيب المشهور على الملف أخذ يشتم الطبيب السابق، وعندما سأله المريض عن الدواء الناجع، كرر الطبيب شتم زميله مرات ومرات من دون أن يستجيب لطلبات المريض بوصف الدواء، فخرج “لاعناً الساعة” التي لجأ فيها إليه.
إن التذرع بالتركة الثقيلة للحريرية السياسية ليس أمراً ممنوعاً أو غير محقٍ ولكنه لا يجوز أن يكون الذريعة لعدم اتخاذ قرارٍ أو مواجهة المعرقلين للقرارات، فاللبنانيون لا يحتاجون إلى من يذكّرهم بما مضى وبمن أوصلهم إلى الحالة التي هم فيها، وهم لا ينسونهم ويعرفونهم جيداً، لكن اللبنانيين يحتاجون قرارات وخطوات تنتشلهم من الأزمة التي يعانونها، لا سيما أن من هم في السلطة لم يتركوا وعداً إلا وأطلقوه، وعندما يُسألون عن ترجمة هذه الوعود يعيد أهل السلطة الناس إلى ما جرى سابقاً من دون وصف العلاج والدواء.
لن يسكت الناس عن هذه الحال طويلاً، فلبنان واللبنانيون لن يقبلوا بالتراجع في كل مستويات معيشتهم كما هو حاصل في دولٍ أخرى تحكمها ديكتاتوريات لا همَّ عندها سوى غسلِ أدمغة شعوب أمعاؤها خاوية.