ابتزاز الحريري شريك التسوية يستبيح الوضع ويؤسس للهيمنة واستنزاف الاقتصاد
لا يُخفى دور «حزب الله» في نشوء الأزمة المتعددة الجوانب التي يواجهها لبنان حالياً ودور سلاحه غير الشرعي في استباحة الواقع السياسي والهيمنة على مؤسسات الدولة وإحلال الفوضى المنظمة واستنزاف مكونات الاقتصاد الوطني، مهما حاول الحزب التلطي والتخفي وراء السياسيين والأحزاب المكلفة مهمة تنفيذ خططه بالواسطة.
فالترابط مُحكم بين انتهاء مهمة هذا السلاح في مواجهة العدو الإسرائيلي بعد صدور القرار الدولي رقم 1701 في العام 2006، وبين توجيه هذا السلاح إلى الداخل اللبناني والانخراط في لعبة قلب الموازين السياسية لصالح الحزب بهدف منع كل محاولات وضع هذا السلاح في عهدة الدولة اللبنانية، وتحت قرارها وسلطتها وابقاءه سيفاً مسلطاً على رؤوس اللبنانيين امعاناً في الاستئثار واستعمال لبنان منصة أمنية وسياسية واعلامية واقتصادية لخدمة مصالح واهداف النظام الإيراني وخططه في توسيع نفوذه بالمنطقة العربية.
فمنذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005 والمتهم بإرتكاب هذه الجريمة الإرهابية بكل المقاييس عناصر من «حزب الله» وبعدها قيام الحزب باحتلال وسط بيروت في العام 2006 وشل الحركة الاقتصادية فيها وتعطيل مجلس النواب قسرياً والتعدي بالسلاح على أبناء العاصمة وكل ما تبع ذلك من فرض للأمر الواقع بالقوة ومسلسل التهديدات والاغتيال المنظم ضد العديد من الشخصيات الوطنية والأمنية والفكرية لا ينفصل عن مخطط الحزب لإضافة وتطويع المعترضين وقطع الطريق على كل محاولات تقييد سلاحه أو وضعه تحت سيطرة السلطة الشرعية اللبنانية.
وقائع تظهر مسؤولية الحزب والباقي تفاصيل هامشية
لم تقتصر ارتكابات وممارسات الحزب على هذا الحد، وكان ينقلب باستمرار على كل التفاهمات والتسويات المعقودة معه ولم يلتزم ولو لمرة واحدة بوعوده وتعهداته، فأسقط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في العام 2010 وبعدها عبر الحزب بقواه العسكرية الحدود اللبنانية للقتال إلى جانب نظام الأسد الديكتاتوري متجاوزاً الدستور والقوانين اللبنانية، وبعدها بفترة وجيزة عطل قصداً انتخابات رئاسة الجمهورية لمدة تقارب السنتين ونصف وفرض انتخاب العماد ميشال عون بقوة السلاح تحت ما سمي يومها بالتسوية الرئاسية بعدما قطع الحزب الطريق امام أي مرشّح تسوية مقبول من كل الأطراف وآخرهم الوزير السابق سليمان فرنجية.
لم تنتظم الحياة السياسية بعد انتخاب مرشّح الحزب للرئاسة باستثناء خطوات خجولة وتهدئة سياسية ظرفية وبقيت الأمور تدور في الحلقة ذاتها من المراوحة والتعطيل وتقييد حركة الدولة ضمن تفاهم ضمني وتوزيع الأدوار بين الحزب و«التيار العوني» تحت حجج وذرائع مصطنعة، مثلاً إعادة تطبيع العلاقة مع نظام الأسد وهذا لم يحصل حتى اليوم، إعادة اللاجئين السوريين الذين تسبب الحزب بتهديم وتدمير قراهم وبيوتهم، وكل ذلك لابتزاز شريك التسوية، الرئيس سعد الحريري الذي يعارض ويرفض تطبيع العلاقة مع نظام الأسد، وذلك لإبقاء حكومة الوحدة الوطنية برئاسته أسيرة توجهات الحزب واهدافه ومنع التطرق إلى موضوع السلاح تحت أي عنوان كان، وفي المقابل إطلاق يد حليفه «التيار العوني» في الإمساك بزمام الأمور بالدولة والإمعان في التسلط على قطاع الكهرباء وغيره برغم مليارات الدولارات التي تهدر هباء على هذا القطاع وتسرق من جيوب النّاس.
كانت الفرصة الوحيدة للنهوض بالوضع الاقتصادي هو مؤتمر «سيدر» الذي لحظ مبلغ ما يقارب الاثني عشر مليار دولار أميركي لمساعدة لبنان في انعاش اقتصاده وتجاوز مشاكله المالية، ولكن بالتكافل والتضامن بين الحزب وحليفه الوزير السابق جبران باسيل، تمّ تعطيل منظم لكل المحاولات التي بذلتها الحكومة السابقة لتنفيذ قرارات مؤتمر «سيدر» برغم الحاجة الماسة للأموال المرصودة من خلاله لعملية النهوض الاقتصادي، ما أدى إلى تراكم المشاكل وإلى انفجار الحركة الشعبية ضد السلطة في 17 تشرين الأوّل الماضي.
كل هذه الوقائع المتسلسلة، لا تدع مجالاً للشك بمسؤولية «حزب الله» المباشرة عن التسبب بالازمات السياسية، الأمنية، الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان حالياً، بالسياسية التي اوصلت الرئيس عون بالقوة إلى سدة الرئاسة وما نتج عن هذه الخطوة بعد ثلاث سنوات ونصف من خلل وفوضى وتخبط سياسي لم يشهد لبنان لها مثيلاً من قبل، بالاقتصاد، التردي الاقتصادي الذي يعيشه اللبنانيون ناجم عن تراكمات الاعتداء الإسرائيلي على لبنان الذي تسبب به الحزب عام 2006 وألحق خسائر بالاقتصاد والبنى التحتية بلغت ما يفوق ستة مليارات دولارات، ناهيك عن التكاليف الباهظة للاعتصامات وتعطيل الحياة الاقتصادية، وسلسلة الاغتيالات والتوتير الأمني والتغطية المنظمة لاستنزاف قطاع الكهرباء لأكثر من عشر سنوات، من قبل حليفه التيار العوني، التهريب المنظم من خلال المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، استهداف القطاع المصرفي منذ العام 2016 بعد التزام هذا القطاع بالعقوبات المفروضة على الحزب دولياً بفعل ارتكاباته داخلياً وخارجياً، ناهيك عن حالة العداء التي تسبب بها مع الدول العربية عموماً والخليجية على وجه الخصوص، وما أدّت إليه من اضرار وتداعيات اقتصادية سلبية، انعكست على اللبنانيين ومصالحهم.
هذه الوقائع تظهر مسؤولية الحزب بالتسبب بالازمات التي يعيشها لبنان اليوم والباقي كلّه تفاصيل هامشية لا تقدّم ولا تؤخّر.