ثلاثة أشهر مرّت على كلامِه في ذكرى اغتيال والدِه عن «إعادة هيكلة تيار المُستقبل على المستوى التنظيمي»، ورئيس الحكومة السابِق سعد الحريري «لم يضرِب ضربة بعد». ما يَدور في صالونات التيار، أو يُحكى في البيئة المُستقبلية أو يُدبَّر على يدِ بعض المجموعات، ثم يُصوَّر عكسه عبرَ صفحات «blue force»، لا يدع مجالاً للشكّ في أن الصراع في بيروت بين الأمين العام لتيار «المُستقبل» أحمد الحريري ورئيس جمعية «بيروت للتنمية» أحمد هاشمية (راجع «الأخبار»الخميس 23 كانون الثاني 2020) يتأجّج، بينما رئيس التيار يتفرّج.
ظروف كثيرة ساعدت هاشمية ليكون «خليفة» الطاقم السابق من الأقربين في «بيت الوسط»، لكن ابن «العمّة» يغتنم ذلك للتخفف من عبء الإخفاقات المتراكمة للأمانة العامة للتيار ورميها على ظهر هاشمية، وهو الطامح إلى دخول البرلمان في الانتخابات النيابية المُقبلة مكان والدته النائبة بهية الحريري. وحتى ذلك الحين، يستغل أحمد الحريري عدم وجود قرار رسمي بتبوّء هاشمية موقعاً داخل التيار (رُغم أن سعد الحريري أعطاه ضوءاً أخضر للتصرّف في بيروت) مُحاولاً إسقاطه في فخّ الشارع كما حصل الأسبوع الماضي.
منُذ فترة انتشر كلام حول نية الحريري إجراء تعيينات جديدة داخل التيار، وصل إلى إشاعة تسنّم هاشمية مركز الأمين العام للتيار في المؤتمر العام المقبل. وأخذ الكلام يتوسّع عن دور كبير لهاشمية في اختيار فريق العمل، خاصّة في منسقية بيروت ومكاتبها، منهم على سبيل المثال المحامي محمد يمّوت الذي كانَ سيحلّ محل زياد أمين المُكلّف بالشؤون القضائية والأمنية، وهو التقى الحريري وهاشمية في وادي أبو جميل منذ أسبوعين. لكن نشر المعلومة دفع بهيئة الإعلام إلى نفي الخبر عبر بيان، وصفته مصادر مستقبلية بـ«المتسرّع» لأنه خلق شرخاً بين فريقَي «الأحمدين»، وأثار استغراب كثُر، لكون يموت كان موعوداً فعلاً بذلك. فحتى بعد إصدار البيان، زار بيت الوسط مرة جديدة، ونوقشت معه صيغة لمتابعته بعض المسؤوليات في بيروت، إذ إن ملف التعيينات «كله جُمّد».
مركز الملك سلمان «للإغاثة والأعمال الإنسانية» يتعاون مع جمعية «بيروت للتنمية»
هذا الشرخ تُرجم الأسبوع الماضي، حين هبّت مجموعة سامر الترك في طريق الجديدة، العاملة بتوجيهات أحمد الحريري، لنزع صور هامشية المُعلقة إلى جانب صور رئيس التيار، قبل أن يتحرك مكتب «أبو فؤاد» (هاشمية) ويطلب إزالة الصور. وبعدها بأيام، عُقد لقاء في منطقة السبيل قيل إنه «لتأكيد أن أبناء بيروت ليسوا سلعة معروضه في مزاد التجار، وأرض بيروت ليست مشاعاً ينتهشه كل طامع في مركز هنا أول هناك». وكان المقصود من هذا الكلام هو بهاء الحريري، الذي يسعى لانتزاع «وِرتة» أخيه السياسية، حيث أكد المجتمعون «تمسّكهم بسعد»، لكن اللقاء بحسب من حضره كان أيضاً «بهدف المُصالحة بين أبناء المنطقة بعد التوتّر الذي ساد» على خلفية الانقسام بين «الأحمدَين».
رغم ذلك، يستمرّ الحذر من عودة التوتّر بينهما، ولا سيما أن الظروف الحالية تمنع أي تقدّم على المستوى التنظيمي، وبالتالي يبقى أحمد الحريري أميناً عاماً، بينما أحمد هاشمية مجرد «صديق لسعد». وما دام الأخير لم يضع حدّاً للخلاف بين صديقه وابن عمته، يستثمر أحمد الحريري بالوقت ويُعدّه مرحلة مُناسبة للانسحاب التكتيكي من «الأمانة» وتحميل هاشمية كل أوزارها، عبر إيهامه بأن فريقها ينقل الدفة، إذ يزور كوادر كثيرون معروفون بولائهم للأمين العام الحالي مكتب هاشمية شاكين «المنظومة القديمة»، مع العلم بأنها في صلبها، من بكر حلاوي إلى سمير الخطيب ومحمد سعد ووليد دمشقية، وهو بذلك بدا مُقتنعاً بأنه يمسك بزمام الأمور كلها في بيروت. فهل يستطيع إصلاح ما خرّبه الأمين العام بفريق الأمين العام نفسه؟ أما السؤال الأهم: لماذا يتردّد رئيس «المستقبل» حتى الآن في إعطاء صفة رسمية لهاشمية، بينما أُعلن عن عبد الناصر محمود الدنا أنه مرشح للانتخابات النيابية في بيروت، قبل عامين من موعدها!
في جميع الأحوال، أثّرت أحداث الأشهر اللاحقة لاستقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة على حركة التيار. بدءاً من وباء «كورونا» الذي دفع بالحريري إلى أن يحجُر نفسه في باريس فترة، شهر ومعه هاشمية، قبل العودة إلى بيروت، ومن ثمّ «الجلبة» التي أثارها بهاء الحريري بالهجوم على المنظومة السياسية في البلاد، ومن جملتها سعد الحريري، والإعلان عن نيته دخول الحياة السياسية. وهذا المرور لبهاء لم يكُن خفيفاً، بل إنه أقلق رئيس الحكومة السابق ودفعه إلى إجراء اتصالات مع الخارج من أجل تبيان حقيقة «مشروع بهاء»، فيما كان لافتاً أنه بعد زيارة السفير السعودي في بيروت بيت الوسط، باشر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية حملة توزيع مئات السلل الغذائية في العاصمة بيروت ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في نطاقها، وذلك بالتعاون مع جمعية «بيروت للتنمية» التي يرأسها هاشمية، فهل هي إشارة ثانية إلى أن «بهاء» من دون غطاء… حتى الآن؟