فشل اللقاء الذي جمع الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل في الوصول الى أيّ قاسم مشترك لتأليف حكومة جديدة، فالوزير باسيل زار «بيت الوسط»، وتكلّم بلغة كأنه يعيش في 16 تشرين الأول، فيما كان الحريري مهتمّاً بمعرفة ماذا يفكر فريق العهد و«حزب الله»، كي يبني على الشيء مقتضاه.
تكلم باسيل بازدراء عن الانتفاضة الشعبية، واتّهم «القوات اللبنانية» بأنها تقف وراءها، وبأنها تدير التحرّكات من وسط بيروت الى البترون، متوقعاً أن يهدأ الاحتجاج، وان لا يكون له أي تأثير على تشكيل الحكومة.
عرض باسيل على الحريري نسخة مكررة من الحكومة المستقيلة، لكن بتوليفة تكنوقراطية، وأصرّ على نَيل وزارة الخارجية والطاقة، وسمح للحريري بالاتصالات، وان تكون وزارة المال للرئيس نبيه بري، على أن يسمّي وزيراً «تكنوقراط»، أي أن يستبعد الوزير علي حسن خليل، وطرح بقاء الداخلية مع «تيار المستقبل»، وإعطاء «الحزب التقدمي الاشتراكي» وزارة الدفاع، فيما يتولى الاقتصاد اسم يتم الاتفاق عليه.
كان اللقاء الطويل مناسبة لاستعراض كل ما حصل، قبل الاستقالة وبعدها، وشعر الحريري أنّ باسيل لا يزال يعتبر أنّ الانتفاضة حَدث عابر، لا قيمة له، وانتظر الحريري حتى آخر اللقاء ليسمع العرض الذي قدّمه باسيل، وردّ بالرفض جملة وتفصيلاً، وقال لباسيل: «ما بِحملَك بالحكومة».
أبلغ الحريري الى باسيل أنه لا يستطيع ان يسير إلّا بحكومة تكنوقراط لا تشارك فيها الوجوه القديمة، وأنه جاهز فقط لترؤس حكومة إنقاذ اقتصادي ومالي، وإلّا «فَتَشوا عن غيري». فما كان من باسيل الّا أن قال له: لن نُسَمّيك لترؤس الحكومة. فردّ الحريري رداً غير كلاسيكي، وانتهى اللقاء من دون نتيجة.
أمس، أبلغ الحريري الى الرئيس نبيه بري جوابه الرافض عرض باسيل، والمُصرّ على تشكيل حكومة إنقاذ، وإلّا «فَتّشوا عن غيري».
ويبقى السؤال: ماذا بعد؟ وكيف سيتصرّف الرئيس ميشال عون الذي يمتنع حتى الآن عن تحديد موعد لإجراء الاستشارات الملزمة لتكليف رئيس الحكومة؟
الواضح أنّ العهد، المدعوم من «حزب الله»، لا يريد التراجع عن مطلب توزير باسيل، الذي هو عنوان إبقاء القديم على قدمه مع إضافة بعض المساحيق البيروقراطية على الحكومة الجديدة.
والواضح أيضاً أنّ تحديد موعد الاستشارات بات مرتبطاً بتصفية الانتفاضة الشعبية، مع الابقاء على حكومة تصريف الاعمال ريثما يتم التحضير لهذه التصفية، ولو بأساليب مختلفة عمّا استعمل سابقاً.
وقد بدأ هذا المسار بممارسة الضغط الشديد على المؤسسة العسكرية لفتح الطرق ولو كلّف الأمر الاصطدام بالمتظاهرين، كلّ ذلك بعد التهديد بفتح الطرق بقوة «حزب الله»، ما كان سيؤدي الى فوضى عارمة.
على المستوى السياسي، يتحضّر «حزب الله» لإطالة عمر حكومة تصريف الأعمال حتى الانتهاء من الاعتصامات، كما يتحضّر لتحريك ملفات في وجه خصومه، ولن يكون استدعاء الرئيس فؤاد السنيورة الى القضاء سوى البداية. ويسعى الحزب الى أن يستثير الشارع السني، وأن يمارس أقصى الضغوط على الحريري للقبول بما رفضه بشأن تشكيل الحكومة، إذ انه يعرف ان لا حكومة من دون الحريري، ولا قدرة لأيّ من حلفائه بتوَلّي هكذا مهمة في ظل الاعتراض الشعبي، وفي ظل اقتراب الانهيار المالي، الذي إن حصل، فهو لن يوفّر الحزب وحلفاءه كما لن يوفّر الاستقرار.