IMLebanon

إلى لاهاي درّ

 

بعد مضي 160 شهراً بالتمام والكمال، على ذاك الإثنين في الرابع عشر من شباط عام 2005، وفي وقتٍ تنزف بيروت دماً مثقلاً بكثير كثير من الدمار، سيُنطق “باسم الحقّ والحقيقة” الحكم في انفجار من بنى بيروت الشهيد رفيق الحريري و270 متوفياً أو مصاباً. فهل نفرح بانتهاء الجلجلة ونحن في متاهة جلجلة جديدة؟ وماذا عن مفاعيل ما بعد النطق بالحكم؟ هل سنبقى نردد بعد اليوم، بعد 2020: من قتل رفيق الحريري في 2005؟ يا الله… كأنه أمس… كأن العمر مجرد ثوان… وكأن العمر يوم واحد هو يوم العدالة! فُتحت المحكمة. فلنصغِ.

 

 

اليوم سنتذكر الكثير من التفاصيل، سنتذكر بشير الجميل وكمال جنبلاط وحسن خالد ورينيه معوض ورفيق الحريري… سنتذكر مشهد الدم الذي سُفك في لبنان في انفجارات متتالية وتُوجت البارحة، في الرابع من آب، بانفجار بيروت… وسنتذكر السيد حسن (حسن نصرالله) يوم رفع الأصبع مردداً بغضب: إنهم يُحضرون لمشروع إسرائيلي إسمه المحكمة الدولية.

 

منذ اليوم الأول، عرفنا أن المسار طويل، مثله مثل البناء الذي يحتاج الى وقت، الى سنوات كثيرة، في حين ان الهدم لا يحتاج إلا الى ثوان. في كل حال، اليوم سيصدر الحكم، سيُصار الى النطق به، فماذا سيتضمن؟ وإلامَ ستتمخض 457 جلسة محاكمة و151 ألفاً و781 صفحة من الأدلة؟

 

المحامي المعتمد لدى المحكمة الدولية في الدفاع والإدعاء وهيب عياش (ورئيس لجنة متابعة أعمال المحكمة الخاصة بلبنان)، تابع منذ انطلقت أعمال المحكمة سلوكية العدالة الدولية في تركيب بنية الحكم والقرائن. وهو ينتظر اليوم النطق بالحكم. فماذا يتوقع أن يتضمن؟ وماذا بعد النطق به؟ يجيب: “إستناداً الى المحاكمات والشهود والبراهين، سيصدر الحكم في حق المتهمين سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا. أما المتهم الخامس مصطفى أمين بدر الدين فقيل أنه توفي وسيسقط بالتالي عنه الحكم. ومعلوم أن “خمستهم” ينتمون الى “حزب الله”، لكن المحاكم الجنائية الدولية لا تحكم على أشخاص معنويين بل على أشخاص بالاسم، وبالتالي لن يصدر الحكم بالحزب الذي يتبع له هؤلاء بل بهم شخصياً. ويُترك لمن يستمع الى الحكم الربط فيه بين الآمر والمأمور والرئيس والمرؤوس”.

 

“الحكم سيُحال الى الدولة اللبنانية بمؤسساتها القضائية والى الإنتربول الدولي من أجل تنفيذ الحكم، على أن يترافق مع إجراءات من قِبل الضابطة الإدارية والعدلية، ويُطلب من المخاتير المشاركة في البحث عن المتهمين، وعن آخر المطارح التي شغلها المتهمون”. ويستطرد المحامي عياش: “نعرف أن كل الأبحاث المحلية لن تصل الى مكان أو شيء وستردّ الدولة بأنهم غير موجودين. والحكم بالتالي ستكون له مفاعيل معنوية لا مادية”.

 

هل نفهم من هذا أنه سينتهي هنا؟ يجيب عياش: “يحق للنيابة العامة في المحكمة الدولية إستئناف الحكم إذا تبيّن لها وجود أي ثغرة، ويحق لممثلي الضحايا أيضاً الإستئناف شرط أن يحصل هذا خلال ثلاثين يوماً من صدور الحكم ونشره”. يستطرد: “حزب الله” سيكون مسؤولاً معنوياً لكن قضائياً لا يُسأل. مسؤولية الحزب هي مسؤولية الآمر على المأمور وهي معنوية بحت. في كل حال، الحكم المعنوي يكون أحياناً أقسى من التجريم المباشر وهو يلاحق الفار من وجه العدالة الى آخر الدهر. وكثير من الدول، التي تراعي حقوق الإنسان والعدل والعدالة، تأخذ في هكذا حالات إجراءات تجاه “الشخصية المعنوية” وتضعها تحت مجهر الحكم الدولي وتشير بالأصبع إليها”.

 

“حزب الله” سيُصبح بعد النطق بالحكم أكثر من أي وقت مضى تحت المجهر الدولي، خصوصاً أن السيد حسن نصرالله سبق وقال إن صور هؤلاء الذين صدر الحكم فيهم “كملائكة على اعمدة الكهرباء”، يعلق عياش. وماذا عن الدولة اللبنانية إذا لم تتعاون؟ يجيب: “تعتبر دولياً غير متعاونة مع العدالة أي “مارقة” بحسب التعبير القانوني، فالدولة اللبنانية مجبرة على التعاون أقله من حيث الشكل. هناك أمرٌ آخر يجب الإنتباه له أنه لا يمكن لأحد، لا للرئيس سعد الحريري ولا لسواه، أن يقولوا “سامحنا ونتنازل عن حقنا في الإستئناف”. لا يحق لأحد بذلك لأن القضية باتت تتعلق بالحق الدولي العام كونها جريمة تمس الأمن الدولي وما عادت مجرد حق من الحقوق الشخصية”.

 

الحادية عشرة من صبيحة اليوم، في الثامن عشر من آب، ستنطلق جلسات المحكمة الدولية للنطق بالحكم في قضية إغتيال رفيق الحريري ورفاقه. ويعتبر المحامي عياش أن الأدلة ستأتي ثابتة على المتهمين الأربعة وهي دامغة بالأقمار الإصطناعية وباتصالات حيّة مسجلة كلمة بكلمة، بالدقيقة والمكان والزمان، ولن يكون أي مجال للتحدث عن أي ثغرة. المحكمة الجنائية الدولية محصت بكل نقطة وفاصلة وواقعة، وحكمها سيكون “مبكلاً” لا يقبل أي “شك معقول”. سيكون الحكم كما “ميزان الجوهرجي”.

 

جلسة النطق بالحكم التي تأجلت من 7 آب، لزوم فترة الحداد الرسمية في انفجار كارثي ضرب لبنان، ستعقد اليوم. وانفجار الرابع من آب، قبل ثلاثة أيام من تلاوة الحكم، ذكّر الكثيرين بانفجارات أصغر بكثير لكنها تزامنت في لبنان، في العام 2014، مع توجه الأنظار الى لاهاي وانطلاق المحكمة وبدء الأدلة بالبروز. الأدلة تنعش دائماً الذاكرة. وهناك من يحاول دائماً حجب الأنظار.

 

اليوم، وبينما نحفظ أسماء وأسماء منها شربل ونجيب ورالف وسحر ودجو ومثال وأياد وعصام وجاد وجيسيكا وقيصر وقاسم وماري وآرمان ويوسف وإيفيت “فلوا” في 4 آب… سنتذكر أسماء ضحايا بينهم باسل وطلال وزياد و… و… “راحوا” في 2005…

 

في 14 شباط 2005 دوت لحظة الإغتيال.

 

في 16 كانون الثاني 2014 انطلقت المحاكمات.

 

في 18 آب 2020 سيُصار الى النطق بالحكم.

 

فإلى لاهاي سرّ.