“بيان مهم للحريري بعد قليل”…
حبس أنفاس وتمنيات بموقف تصاعدي…
صدر البيان: “المالية للشيعة لمرة واحدة”…
وما هي إلا دقائق حتى أغرق “المولولون” مواقع التواصل الاجتماعي بمصطلحين “انبطاح وتنازل”.
تنازل وانبطح لمن؟
عندما سمى الرئيس سعد الحريري مصطفى أديب، خرج “المولولون”، مستهدفين الفكرة بأنها “تسليم البلد لإيران”، ليستيقظوا بعد أيام و”يلفوا الكوع” عائدين إلى خيار أديب بعدما استنتجوا أن الأخير ليس حسان دياب آخر. والأمر نفسه حصل بعد مبادرة الحريري ليل الثلثاء…
يقول الامام علي: “نقل الصخور من موضعها أهون من تفهيم من لا يفهم”.
تعالوا نعيد شريط الذاكرة 16 عاماً إلى الوراء، وتحديداً بين ايلول وتشرين الأول من العام 2004 (نعيش الشهرين نفسيهما الآن)، لنسأل: هل كان توقيع الرئيس الشهيد رفيق الحريري على التمديد لرئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، رغم رفضه ذلك، “انبطاحاً”؟ أم كان توقيعاً على انطلاق المواجهة الكبرى وانضمامه إلى خيار قرنة شهوان وبدء معركة دفعت شراستها شبكة من “حزب الله” إلى اغتياله؟
اللعب على حافة الهاوية لا يعرف العواطف ونزواتها، ولم يعد أمام لبنان سوى طريق واحد ألا وهو: “الفوضى”. إيران لا تريد تشكيل حكومة في لبنان، مستخدمة “حزب الله” في معركة التعطيل، ومحوّلة رئيس مجلس النواب نبيه بري المعروف باعتداله الشيعي وعروبته والتزامه اتفاق الطائف، إلى “علي عبدالله صالح” آخر، بدليل ما كشفه رئيس “التقدمي” وليد جنبلاط أن بري أبلغه: “عليّي ضغط”.
تنازل لمن وانبطاح لمن؟
كان المسار الحكومي قبل العقوبات الأميركية كالآتي: مرونة لدى “الثنائي” وموافقة على حكومة مستقلة، وتمنٍ من الحريري بأن يكون وزير المالية سنياً.
أتت العقوبات وأعلن بري عدم مشاركته بالحكومة. جاء الاتصال الإيراني لـ”حزب الله”: “لا حكومة”. رسمت طهران هدفاً يجب أن يحققه الحزب الذي رفع سقف المطالب: تسمية وزير المالية وكل الوزراء الشيعة والحصول على الثلث المعطل، مستخدماً سلاح اثارة العصبية المذهبية، رافعاً شعار “هيهات منا الذلة” ليشعر معها الشيعي أنه يخوض معركة وجودية.
أدرك حينها الحريري أن الحكومة “طارت” والبلد يتجه إلى “الفوضى”. ولولا الضغط الفرنسي لكان حالياً أديب يكمل عمله في ألمانيا. وبدأ الصراع يكبر، سني – شيعي، مسيحي – شيعي. رسم البطريريك الراعي سقفاً لرئيس الجمهورية منعه من الانسجام مع “الثنائي الشيعي”، فناور عون واقترح مبادرة باعطاء الوزارات السيادية للأقليات، وهي مبادرة لزوم ما لا يلزم، فالمشكلة ليست بطائفة الوزير بل بمن يسميه!
أتت مبادرة الحريري قاطعة الطريق على شد العصب الشيعي، مطمئنة الطائفة الشيعية الى أن المداورة لا تستهدفهم ولا مانع أن يتولى الوزارة وزير شيعي على أن يسميه الرئيس المكلف. نزلت الرايات، ولم يعد أمام “الثنائي” حجة يدفع بها جمهوره إلى المواجهة.
فعلياً: – حشر الرئيس الحريري “حزب الله” في الزاوية: لا أحد يريد استهداف الشيعة و”منتهية لا تسمية للثنائي ولا لرئيس الجمهورية ولا للوطني الحر”.
– نزع ذريعة التعطيل الايرانية فإذا كان المطلب أن يكون وزير المال شيعياً فهو كذلك، لكن سيكون مستقلاً ويسميه أديب.
– قطع الطريق على رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل بالمطالبة بحقائب.
– عزز واقع وجود شيعة مستقلين غير منتمين إلى “الثنائي”.
– حافظ على صيغة الحكومة: مصغّرة من مستقلين.
– انهى العرف السائد منذ اتفاق الدوحة بـ”الثلث المعطل”.
الخلاصة: السياسة كلعبة الشطرنج، تخسر القطعة الصغيرة لتربح قلعة، كما فيها فن “احراج الشاه”، وهي نتيجة يصل فيها الخصم إلى أن تحريك “الشاه” في أي مربع سيؤدي إلى “موته”… مبادرة الحريري تراجع خطوة إلى الوراء للقفز خطوتين إلى الأمام، أي “المالية للشيعة… مقابل حكومة للبنان”، ولا خيارات أمام الخصم… “الثنائي محرج، stalemate”.