ربما رأى سعد الحريري اللحظةَ مناسبةً للعودة الى المسرح السياسي رئيساً للحكومة، فيقطع الطريق أولاً على منافسيه في نادي رؤساء الحكومات السابقين والمحتملين، ثم يثأر من حلفائه الذين “لا يفرق بينه وبينهم إلا الدم!”، ويُعاود الوصلَ مع “صديقي جبران”. لكن تحدي استعادة الموقع الشخصي لا يتطابق بالضرورة مع مصلحة عموم اللبنانيين. فهل إن المأزق الرهيب الذي يتخبط لبنان فيه يحتمل تكرار التجارب مع أهل الطبقة السياسية التي قامت ضدها الثورة والمسؤولة عما وصلت اليه البلاد؟
يحق للمواطن المتابعِ استنتاجَ ان الحريري الذي ظهر بنسخته الجديدة في “صار الوقت” استجمع اللازم من خيوط المشاورات والاتصالات المحلية والدولية قبل أن يشرب “حليب السباع” فيترشح معادياً الأصدقاء ومصادقاً الأعداء ومسايراً “العهد” بعدما كان بينهما ما صنعه الحداد. وإذا لم تكن هناك ضمانة فرنسية – ايرانية مُسبقة بتسهيل رؤيته مجدداً في السراي، فإن ترشيحه لن يعدو كونه حلم يقظة أو خطوة تعمِّق الفراغ.
واقع الأمر ان الحريري تجرَّع “لبن عصفور” الخليلين مسلِّماً بالمثالثة عبر “التوقيع المعطِّل” في وزارة المال تاركاً بقية الأطراف تشارك مباشرةً او مواربةً إما تحت عامل “الخشية من الأعظم” الذي يحكم مواقف جنبلاط، او تحت تهديد العقوبات والضغوطات وواجب انقاذ الحصص وما تبقى من “العهد القوي” الذي يتحكم بقرارات “التيار”، أما سائر مكونات 8 آذار فهي “فراطة” في جيب “حزب الله”.
إذا سارت الأمور حسب المتفائل من التوقعات، فإن سعد الحريري لن يشكل حكومة أفضل بكثير مما كان يبتغيه مصطفى أديب الذي “نُحر” قبل ان يبلغ السراي، وأقل بأشواط من حكومة مستقلين تتجاوب مع مطالب الثورة وكل الناس وكان يمكن ان يشكلها مَن يُشبه نواف سلام من خارج طبقة الفساد والإفساد لو رشحه “نادي رؤساء الحكومات” واستعمل الحريري لتثبيته بعض طاقة “حليب السباع” ومفاعيل ربط فعلي للنزاع مع “حزب الله” خصوصاً بعد حكم المحكمة الدولية وتواتر العقوبات.
كل الناس ترغب في رؤية حكومة توقف الانهيار، لكن تشكيلها بنفس العدة والأطراف أو بتقنيين مموَّهين لا يلبي المتطلبات ولن يضمن الثقة الدولية والدعم الخليجي الضروري، ناهيك عن انه يعطي مكوناتها صك براءة من ارتكابات لا يكفي أن يعترف بها أو بحصته منها كلُّ من شارك في الفشل او الهدر أو النهب أو الجريمة ليعاود تسلم المراكز والمسؤوليات وإطرابنا بتضحياته عبر المشاركة في الانقاذ. إنّها جرائم تستدعي المحاسبة وتغيير النهج والأشخاص مهما تُليت أفعال الندامة وخلُصت النيات.
ليُشكل الحريري حكومته اذا كان واثقاً من المعجزات وهبوط الوحي على كل من اعتاد البواخر والاتصالات والسدود وتعليب المناقصات والنفط المغشوش وتوظيف الأزلام وتسخير القضاء… إضافة طبعاً الى النيترات. وكان أفضل لو بدأ بهذا الإلهام، فلا يُدافع عن “حاكمِِ” يستحق المحاكمة مع كل الذين تواطأ معهم من منظومة “الأوباش”، ولا يجعل المكتوب يُقرأ من العنوان.