Site icon IMLebanon

الحريري “يرقص مع الأفاعي”… هل يُلدغ للمرة الثالثة؟!

 

عندما اضطرت السلطة السياسية بقدها وقديدها الى الإختباء في جحورها جزئياً بعد كارثة إنفجار المرفأ وبالتالي عاصفة المبادرة الفرنسية، خُيل لمعظم اللبنانيين للوهلة الأولى انه آن أوان التخلص من هذه الطبقة، وسرعان ما خاب أملهم من جديد بعدما استعصت هذه المبادرة وأصحابها وداعموها على هذه الطغمة المتحكمة.

 

وبعد اسابيع من التمديد القسري للمهل المتساقطة التي كادت تسقط معها المبادرة الفرنسية بالضربة القاضية، ظهر الرئيس سعد الحريري بنسخة سياسية منقحة 2020، وقرر ان “يرشح” نفسه ليس الى رئاسة الحكومة فحسب، انما ليؤدي الدور الأخطر وهو “الرقص مع الأفاعي”، (ليتماهى مع نظيره العراقي مصطفى الكاظمي مع بعض الفوارق) بعد أن أيقظها من جحورها، مقلعاً عن ترداده مقولة “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”.. ليبدو اما انه واثق بـ”مبادرته” اللبنانية لتطبيق المبادرة الفرنسية وإما قد “حقن” نفسه بلقاح ضد اللدغ مرات ومرات!

 

دخول الحريري على خط التكليف والتأليف، لم يزل عرضة للتساؤل حول ابعاد قبوله بهذه المهمة، والاندفاع نحوها، طالما أن فكرة تشكيل حكومة لا يسمي الوزراء فيها اركان السلطة ليست واردة كما تقول قوى الاكثرية النيابية التي وزعت اصواتها بين تسمية الحريري وعلى رأسها الرئيس نبيه بري، وبين التمنع عن التسمية وعلى رأسها “التيار الوطني الحر”.

 

نال الحريري ثقة 65 نائباً، في لحظة انكفاء دولي عن الاهتمام بآليات التكليف والتشكيل، وهي اصوات لم تخلُ من حسابات لا علاقة للحريري بها، بل ترتبط بتظهير تموضع المواجهة بين اركان الممانعة، وبمعركة من يقرر نتيجة انتخاب رئيس الجمهورية المقبلة، بين مرشحي “حزب الله” سليمان فرنجية وجبران باسيل. الحزب اختار الوقوف في الوسط، وبري اظهر قوته في تحجيم باسيل من خلال تجيير اصوات الحزب القومي وايلي الفرزلي وعدنان طرابلسي، فيما شجعت المواجهة بابعادها الرئاسية على فرط “اللقاء التشاوري” الذي انحاز فيه جهاد الصمد وطرابلسي وقاسم هاشم الى تسمية الحريري بل الى جانب فرنجية في مقابل باسيل.

 

النواب الأرمن اعطوا الحريري وهو موقف ارمني خالص ينسجم مع الموقف الايراني وعدم الاعتراض الاميركي.

 

هي اقرب الى بروفة رئاسية، كان الحريري عنوانها الظاهر، لا سيما ان الأسئلة حول رهانات الحريري تجاه طبيعة الحكومة المقبلة لم تتضح بعد، على رغم الاتهامات له من اطراف معارضة لـ”حزب الله” بأنه يستجيب لمتطلبات الحزب على هذا الصعيد.

 

يبقى انه في ظل عدم اتضاح الصورة الكاملة لطبيعة الحكومة، هل ستشكل ام سيبقى الرئيس المكلف على شروطه المعلنة، وهل سيتنازل اطراف الأكثرية عن مطلبهم بتسمية الوزراء ام ان تسوية ما تتيح للحريري الخروج بحكومة توحي بثقة داخلية وخارجية؟

 

لا يحتاج الأمر الى كثير من الانتظار، الايام المقبلة كفيلة بأن تكشف مسار الحكومة وطبيعتها وتوازناتها السياسية ومدى استقلاليتها، والأهم مدى قدرتها على تنفيذ الاصلاحات.

 

لا يحتاج المراقب الى كثير من التمحيص، ليدرك ان رهان اطراف السلطة يقوم على حماية كل طرف نفوذه ومكاسبه في اي حكومة من جهة، واعتقاد راسخ في نفوسهم جميعاً بأن المبادرة الفرنسية هي عبارة عن كتلة نقدية يمكن الحصول عليها من دون تنفيذ فعلي للاصلاحات، هذا الاعتقاد الذي يعبر عن عقلية راسخة في منطق السلطة، من ان تحاصص السلطة هو المصدر الوحيد لصمود اطرافها، وبالتالي كل الجهود ستنصب على الالتفاف على الاصلاحات بمزيد من خلق الأعذار، والاستثمار في ما يسمونه خصوصيات لبنانية، سواء كانت سياسية او امنية وحتى اقتصادية ومالية.

 

هذا الرهان سيبقى امام اختبارات دولية وعربية حقيقية، فالخارج يدرك ان لا لجم للانهيار من دون اصلاحات جدية، اي ببساطة الحدّ من نفوذ قوى السلطة، وحكومة الحريري هذه المرة ستقرر مستقبل الحريري نفسه، هل هو قادر او يريد اصلاً لجم نفوذ هذه القوى وهو واحد منها، ام سيسير متضامناً معها للالتفاف على الاصلاحات الجدية، ولو تلك المتصلة بالكهرباء والمعابر الحدودية، وبرنامج الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟

 

‏الأرجح ان الحريري الذي نجح في اقصاء باسيل بقوة بري وبغض نظر من “حزب الله”، سيجد نفسه مكبلاً بشروط الحزب الذي لن يقبل بأقل من ان يكون صاحب القرار في حكومة الحريري، في وقت لن يحظى لبنان بأي دعم حقيقي لا عربي ولا دولي طالما كانت الحكومة بإمرة “حزب الله”. والمبادرة الفرنسية التي يرفع الحريري لواءها في محاولة تعويض لخسائر ماكرون المعنوية، تتحول عند بقية اطراف السلطة، الى معبر لمحاولة استيلاد دور ونفوذ سياسي بغطاء فرنسي وان كان لا يقي من البرد والانكشاف امام الداخل والخارج.

 

الحريري امام الاختبار الأخير، فهو اتخذ قراره منفرداً، والأرجح ان رؤساء الحكومات السابقين غير متحمسين لما ذهب اليه منفرداً، ولن يفاجئهم فشله وحده، سواء كان على رأس حكومة الأكثرية او حكومة معطلة.