Site icon IMLebanon

الحريري يخشى من نيات الخصوم.. بعد موعد الانتخابات الأميركية

 

بين الاحتجاجات العنيفة على الرسوم الدنماركية المسيئة إلى الرسول في 5 شباط من العام 2006 في منطقة الأشرفية، وتلك التي أقيمت ضد فرنسا أمس لسبب مشابه عبر مسيرة في اتجاه قصر الصنوبر، يبدو التبدل واضحا في المزاج الشعبي الإسلامي وذلك المحافظ عند الطائفة السنية في لبنان.

 

نحو 15 عاماً تفصل بين الحدثين، راكمت تطورات دراماتيكية في البلد حملت معها تبدلات عميقة في المزاج الشعبي السني في البلاد.

 

قبل أشهر من «غزوة» القنصلية الكندية في الاشرفية وحرقها، كانت المشاعر السنية تغلي على نار اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أخرج الطائفة من عصر الإنزواء والانكفاء في اتجاه إعادة الانخراط في الشأن السياسي وفي الدولة بعد سنوات من التهميش. وللأسف شكل اغتياله في 14 شباط 2005 مع أحداث أخرى مرافقة في لبنان والإقليم، بداية عصر إحباط سني لم ينته فصولا حتى اللحظة.

 

فقد حملت كل تلك السنوات الماضية معها إحباطا للطائفة بكاملها، شكل إبعاد الحريرية أحد أركانها كونها الممثلة الأكبر للطائفة. ولعل الخمود في الاحتجاجات السنية في البلاد جاء بعد إخفاقات عدة وضربات تلقتها شرائح معيّنة في الطائفة صعد دورها في سنوات مضت مع جماعات إسلامية راديكالية في الشمال وطرابلس وفي صيدا مع ظاهرة الشيخ أحمد الاسير، خلال الاحداث السورية.

 

وتبع هذا التراجع في الزخم الشعبي إنكفاء شرائح سنية في انتفاضة 17 تشرين، وكانت عاصمة الشمال طرابلس محط تحركات كبرى فيها استمرت طويلا وجمعت تيارات إسلامية مثل «الجماعة الإسلامية»، وهي الحزب الاسلامي الاكبر في لبنان، مع أخرى ولدت من رحم تلك الانتفاضة.

 

ومع التراجع الكبير في المد الشعبي، وفي ظل تعزيز للإحباط السني مع سقوط حكومة الحريري قبل عام اعتبر أنصاره انه شكل كبش الفداء للإخفاق في البلاد، وفي ظل كارثة إقتصادية جعلت الشأن المعيشي من أولوية السنة كما غيرهم من اللبنانيين، ووسط خشية من الصراع غير المتكافئ مع وباء «كورونا المستجد»، ناهيك عن حال من اللامبالاة باتت تطبع جماهير سنية واسعة من بينها تلك في بيئة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري التي لم تقابل عودته الى الحكم بحماسة كبيرة، تجمعت كل تلك العوامل، إضافة الى عدم الإستثمار السياسي الخارجي المخاصم لفرنسا، لتصيغ التبدل في المشهد السني. وهو ما يفسر الفارق الواسع بين مشهدي القنصلية الدنماركية في شباط 2006 ومشهد الأمس الذي اختصره «حزب التحرير» الممنوع في لبنان لعصور طويلة قبل منحه ترخيص العلم والخبر في ذلك العام من قبل وزير الداخلية حينذاك أحمد فتفت، عبر عشرات المتظاهرين تجمعوا على مقربة من قصر الصنوبر قبل أن يعودوا أدراجهم.

 

مواجهة الثلث  المعطل لعون

 

ويعتبر مراقبون أن عودة الحريري في هذا التوقيت ستشكل فاتحة لكسر الحلقة المفرغة التي مرت فيها الطائفة شرط تأمين عناصر النجاح له من الداخل والخارج، والحصول على المساعدات المأمولة لتدشين مسار الخروج من الكارثة الاقتصادية الحالية.

 

وعلى الرغم من كل الايجابية المعلنة اليوم على صعيد تشكيل الحكومة المأمولة، لا يبدو أن الامور قد نضجت حتى اللحظة.

 

ولا تزال المفاوضات لم تصل حتى الى مراحلها الاخيرة برغم تحقيق تقدم على صعيد توزيع الحقائب ومداورتها كما طلبت المبادرة الفرنسية، التي خشي البعض عليها نتيجة ما حصل في فرنسا على أثر الرسومات المسيئة.

 

لكن الجميع يعمل على خط التشكيل وأولهم الحريري الذي اغتنم زيارته المقررة عند كل عيد مولد نبوي لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، للملمة قضية الرسم الكاريكاتوري لبنانيا، والالتفاف على أية محاولة لضرب المبادرة الفرنسية، في موازاة الخروج بموقف رافض للرسم الكاريكاتوري وإدانة لأية عمليات قتل بسببه، وبموقف يعكس الطبيعة الحقيقة للإسلام الذي لا تختصره مثل تلك الاعمال من القتل.

 

خطوة الحريري تلك جاءت لتحمي أيضا مسار التأليف الحكومي في ظل واقعية حول عدم القدرة على تذليل العقد والذهاب الى تأليف للحكومة قبل موعد الانتخابات الاميركية الثلاثاء المقبل.

 

يحاول الرئيس المكلف للحكومة قدر الامكان حماية عملية التشكيل عبر تكتمه الشديد، وتؤكد أوساط «المستقبل» أنه ليس من يسرب مجريات المفاوضات. ويقول البعض إن التسريبات التي حصلت، وهي ليست بكاملها دقيقة، تريد تعميم أجواء التفاؤل قبل ضرب جهود التكليف.

 

ويستذكر هؤلاء ما حصل لعملية تشكيل حكومة الحريري الأخيرة التي، بعد تأخر لأشهر طويلة وقبل الوصول الى خواتيمها السعيدة، اصطدمت بعقدة توزير «اللقاء التشاوري» ما أخرها لأشهر إضافية. واليوم، يرى المتابعون لموقف الحريري الذي يتمسك بحكومة من 18 وزيرا، أن الصدام انتقل ليكون بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون. ويريد العهد وأنصاره حكومة من 20 وزيرا وهو ما سيمكنهم من ضرب عصفورين بحجر واحد. توزير درزي من أخصام الزعيم «الاشتراكي» وليد جنبلاط، وآخر مسيحي يسمح لعون بالاستئثار بالثلث المعطل في الحكومة.

 

وبينما يشير كثيرون الى أن مسألة المداورة في الحقائب قد اتفق عليها بين الافرقاء المختلفين، ستشكل زيارة قريبة للحريري الى بعبدا مؤشرا هاما حول ايجابية التشكيل.  ويخشى «المستقبليون»، في حال تأخر التشكيل الى ما بعد موعد الانتخابات الاميركية في الثالث من الشهر الحالي، أن يُرحل الموضوع الى موعد بعيد يكون فيه أخصام الحريري أكثر قوة وتشددا في مواقفهم.

 

على أن ما يريح «المستقبليين» ثقتهم بأن زعيمهم هو رجل المرحلة الذي يُمثل تقاطعا محليا وخارجيا، المؤهل لمفاوضة هذا الخارج لتحصيل المساعدات، والعائد على صهوة الإجماع المحلي.. عاجلا أم آجلا!