هل لا يزال الرئيس سعد الحريري حاجة لفريق الثامن من آذار، من سمّاه ومن لم يسمّه.
بعض السياسيين يخشون ألا يكون كذلك، لا بل يذهبون الى حدّ اعتبار أنه سيكون من الآن وصاعداً تحت وطأة خيارين: إما مزيد من التنازلات الحكومية والسياسية، وإما الذهاب إلى الاعتذار الذي سيعني بالنسبة إليه شبه انتحار سياسي.
منذ استقالة الحريري العام الفائت، ومن ثم استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، وتكليف السفير مصطفى أديب، ظل الحريري الاسم الذي يتمسّك به الرئيس نبيه بري ويحبّذه حزب الله، في أي مفاوضات حكومية. اليوم تتبدل الظروف الإقليمية والدولية بعد الانتخابات الأميركية، وهناك متغيّرات تحتاج إلى حكومة متجانسة، تطرح إمكان استمرار الحريري في ترؤسها. لم يعد الحريري يشكل ورقة رابحة أو يمثل الشخص الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وهذا أساساً موقف التيار الوطني الحر، قبل أن يُتخذ قرار السير بالحريري. ربطاً أولاً بالموقف العربي الخليجي الذي بات أكثر وضوحاً في التعبير عن عدم تأييده لتكليفه، ثانياً بالمبادرة الفرنسية التي تعطّلت تلقائياً. كل صلة الحريري بهذه المبادرة تتعلق بمشاريع سيدر والوعود بترتيبات من خلال شركات فرنسية. أكثر من ذلك، لا فرنسا قادرة على الدخول مجدداً إلى لبنان بالزخم نفسه، ولا القوى اللبنانية تعاملت بجدية مع المبادرة إلا على القطعة ووفق مصالح معينة، ساهمت في تخفيف وطأة مسؤوليتها بعد انفجار الرابع من آب. لذا سيكون الحريري أمام مرحلة من الشروط التعجيزية. وقد بدأ تجاوبه معها يثير أسئلة في محيطه، وفي حلقات حلفائه، وفي الجو الخليجي الذي كان ولا يزال ينظر إليه بحذر منذ التسوية الرئاسية. لكن استمرار تطويقه من جانب التيار تحديداً، يعني أن لا أحد مقتنع بأن هذا الضغط المستمر عليه يدفعه إلى الاعتذار، لا بل العكس، فهو «وقع في الفخ» وبات يغامر إلى الحد الأقصى الذي يدفعه إلى تلبية كل ما يطلبه الآخرون. وسيحاول الظهور بمظهر المنقذ للوضع الداخلي عبر تقديم تنازلات حكومية، تجعل من حكومته الجديدة مجرد تجميع عشوائي لشخصيات تنتمي بنحو ثلثيها إلى خط ونهج واحد. لكنها في الشكل ستكون نسخة مقلّدة عن حكومة الرئيس حسان دياب. ولعل دياب بحسب توصيف أحد السياسيين قدّم خدمة غير مقصودة للحريري، عندما تحملت حكومته وزر كل المشكلات التي انفجرت في وجهه حتى من خلال عملية التدقيق الجنائي، ليعود الحريري إلى موقعه في السراي بعد سنة من استقالته، مقدماً نفسه منقذاً للبنانيين من هذه المشكلات. وتنازلات الرئيس المكلف ستكون على كلّ الصعد. سيُطلَب منه شخصيات تُسمى له مسيحياً وشيعياً، وسيُطلَب منه بيان حكومي واضح من الثلاثية، وستضيق حركته في كل ما يتعلق بشروط صندوق النقد، وسيكون مجدداً أمام خيار عدم الذهاب بعيداً في مواقف سياسية إقليمية ومحلية، كمثل العلاقة مع سوريا التي تعود مرة أخرى إلى أن تكون ورقة من أوراق الضغط المحلية.
هذه العناوين الأساسية لم تكن تشكل تحدياً أمام حكومة دياب غير السياسية، كما لم يكن أمام دياب تحدي المواجهة الداخلية مع وزراء العهد والتيار، نظراً إلى اختلاف الشخصيات والظروف ودور الحكومة التي يفترض أن تكون آخر حكومات العهد. في حين أن الحريري سيكون في حكومة «اختصاصيين» أمام وزراء سمّاهم التيار والعهد في صورة غير ملتبسة وفي حكومة ظاهرها اختصاصي وباطنها سياسي حتى العظم.
وفيما لم يكن مطلوباً من دياب أن يتحول إلى زعيم سياسي، محلياً أو عربياً أو دولياً، كيف لوريث الحريرية وتيار المستقبل أن ينطلق رئيساً للحكومة وسط جفاء عربي ومتغيّرات دولية، وأن يتصرف داخلياً في محطات سياسية وتعيينات وأزمات وملفات غير اقتصادية ومالية وإن تقاطعت مع السياسة، ستفتح مجدداً (مشكلة النازحين مثلاً التي شكّلت أزمة حادة بينه وبين التيار) حين تكون عودته محكومة مسبقاً بسقف تسوية حكومية ورئاسية أعاد إنعاشها، لكن هذه المرة من جانب واحد؟ هو يبدي استعداده كما يقول عنه بعض عارفيه لأن يحيي التسوية على كلّ المستويات. لكن العهد والتيار يمارسان معه حالياً لعبة الابتزاز، أكثر من أي وقت مضى. ورغم أن التيار، ولأسباب تتعلق بالرئاسيات المقبلة، مضطر إلى فتح باب جانبي معه، لكنه اليوم، يستمر في لعبة الشدّ معه، لتحصيل أكبر عدد من المكاسب التي هو في أمسّ الحاجة إليها بعد خسائر متراكمة، وتشكل له رافعة جديدة على أكثر من مستوى في السنتين الأخيرتين من عمر العهد. وقد لا يكون الحريري ورقة رابحة لأي طرف اليوم، بقدر ما هو للتيار الوطني الحر، الذي استفاد منه إلى الحد الأقصى في التحالف وفي الخصومة.