المشاورات في شأن تشكيل الحكومة دخلت شهرها الثاني من دون أي تقدم يذكر على الرغم من تحديد أكثر من موعد لتوجه الرئيس المكلف الى بعبدا لتقديم مسودات وزارية، إلا ان الحريري يبدو متريثاً او تحت وطأة الضغوط او أنه يقلد الآخرين بالمناورات السياسية ويعبث بساحة التأليف كما يفعل سائر الأطراف، وإما ان الأسباب أكبر من قدرات المؤثرين في التأليف في الداخل وتتصل بأبعاد خارجية وإقليمية، بعد ان صار واضحاً ان الجميع في انتظار موعد التسلم والتسليم ودخول جو بايدن الى البيت الأبيض وحيث يعزز التعثر الحكومة وجهة النظر القائلة ان العقدة الأكبر خارجية وتأكيد أكثر من سياسي لبناني هذا المنحى، فاللواء عباس ابراهيم الذي هو على تواصل بمرجعيات دولية أكد قبل فترة ان مشكلة الحكومة دولية أكثر مما هي محلية مما يرجح نظرية ووجهة النظر القائلة بالعقد الإقليمية.
العقوبات الأميركية هي الوجه الآخر لتعقد التأليف، كما تقول مصادر سياسية، فالعقوبات فرملت المسار مع مقاربة التيار الوطني الحر المختلفة عن المسار السابق وتمسكه غير المعلن عنه بوزارات حساسة مثل «الدفاع» و«الطاقة» و«العدل» ورغبته بوزارة الداخلية عملا بما سيحصل عليه الثنائي الشيعي المتمسك بحقيبة المالية، وما يريده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى التشدد والتمسك بشعار حكومة الاختصاصيين في مواجهة كل الأطراف وعدم التشاور مع ممثلي الكتل النيابية.
ومع تأكد المعطيات ان الحكومة لن تولد قريباً ريثما تتضح المؤشرات الاقليمية، فان الحديث عن مسودة حكومية بالحقائب والأسماء سيرفعها الحريـري الى بعبدا تبدو في خارج السياق الطبيعي، وربما في اطـار بث أجواء تفاؤلية لا تستند الى الوقائع وسياق الأحداث، ورداً على أخبار اعتذاره او تنحيه عن التأليف التي روجـت لها ماكينات سياسية وإعلامية بعدم نجاحه في التأليف في الفترة الأخيرة، وفي سياق رمي المشكلة في اتجاه بعبدا في حضن رئيس الجمهورية وفريقه السياسي في ما خص ما تم التسويق عن عقدة الوزراء المسيحيين، مما دفع رئاسة الجمهورية الى إصدار بيانات «نأي» تدخل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في عملية التأليف، مما أدى الى تشابك مصادر بين بعبدا وبيت الوسط في تحديد المسؤولية عن تسمية وزراء الطوائف في الحكومة .
لم تتضح بعد خطة الحريري الحكومية، وما إذا كان سيبقي على خطة المواجهة الصامتة في ما خص التأليف او «سيبق البحصة» في موضوع التأليف ام يبقي على المراوحة القاتلة؟ واي موقف سيتخذه في التعاطي مع النائب جبران باسيل لكسبه او كسر تصلبه؟ خصوصاً ان العلاقة لا تزال ملتبسة بين الطرفين ولم تنجح الوساطات في جمعهما معا لا قبل التكليف ولا بعده، وحيث ان التجاذب الواقع حالياً بينهما هو استمرار للعلاقة المتوترة منذ 17 تشرين الأول ومن أسباب عرقلة التأليف. فاجتماعهما معاً قد يكون مسهلاً، فيما تباعدهما قد يؤثر سلبا ًايضاً، وحيث ان بيانات بعبدا عن عدم دخول باسيل على خط التأليف لا تقنع أطرافاً كثيرين خصوصاً ان باسيل رئيس التكتل المسيحي الأكبر، ولا يمكن ان لا يكون حاضرا في اختيار او على الأقل الموافقة على اسماء الوزراء المسيحيين.
الخلافات بين باسيل والحريري تسيطر على المشهد الحكومي، لكنها ليست كل شيء في ما خص عدم التشكيل، فبين الطرفين حسابات قديمة من اللحظة التي خرج فيها الحريري عن التسوية الرئاسية الى 17 تشرين عندما تركت سفينة العهد تغرق في الأزمات، فيما الحريري ماض في كباشه وقطع ما تبقى من جسور مع التيار الوطني الحر وباق على استثنائه من التشاور رداً على محاولة الفريق المسيحي تعريته من أوراق الميثاقية المسيحية عند التكليف، مما يعقد المشكلة أكثر، فالحريري لا يمكن ان يؤلف حكومة من دون التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي، فيما تنتظره الولايات المتحدة الأميركية على كوع التأليف.