IMLebanon

السنّية السياسية “ماتت” فلا توقظوها

 

لا عذر للرئيس سعد الحريري في أخطائه القاتلة سوى طراوة عوده وحداثة سنّه في عالم السياسة. لكن لا عذر له أبداً إن لم يستمع إلى نصائح محبّيه، وإن لم يقرأ تجربة والده الذي كان يصغي جيداً لمحاوريه حتى لو لم يأخذ بآرائهم.

 

الرئيس رفيق الحريري كان حاجة لبنانية عربية ودولية للوطن. لخطّته الاقتصادية مؤيّدون ومعارضون، أما خطّته السياسية للإنقاذ فقد اقتصرت على استعادة سيادة الدولة داخل الحدود من ميليشيات مدعومة من النظام السوري، وعلى الحدود من الاحتلال الإسرائيلي. ولما لامس موقفه السيادي الحدود مع النظام السوري، بل تجاوزها، اغتيل، بحسب نصّ قرار المحكمة الدولية، من غير أن ينشئ حزباً ولا مشروعاً سياسياً خاصاً به أو بطائفته. كان أكبر من حزب ومن طائفة، لكنّه كان يطبّق على نفسه وعلى سواه القول، لا أحد أكبر من وطنه.

 

المارونية السياسية، وكذلك الشيعية السياسية، مشروع سياسي يزعم العمل لمصلحة الطائفة وينطق باسمها، فيما هو في حقيقته مشروع حزبي بالمعنى الدقيق للكلمة. الحريري لم يكن وحيداً، إذ لم يظهر في تاريخ لبنان بين أهل السنّة من تبنّى مشروعاً سياسياً يخصّه أو يخصّ الطائفة.

 

“الحركة الوطنية اللبنانية” هي التي استظلّت بالسنّية السياسية من أجل حماية المقاومة الفلسطينية، حتّى صارت تُعرف بإسم “اليسار المسلم” في مواجهة “اليمين المسيحي”، وهي التي ورّطت رئيس الحكومة بتلاوة بيان عند اندلاع الحرب الأهلية، كتبه يساريون شيوعيون. ورد في البيان كلام عن اختلال التوازن في العلاقة والدور بين رئيس مسيحي يحكم ولا يحاسب، ورئيس سنّي يحاسب ولا يحكم.

 

هذا لا يعني أنّ أهل السنّة يتعالون على المشاعر الطائفية، وهو أمر طبيعي وصحّي. لكنّ المشاعر شيء وبناء مشروع سياسي للطائفة يقتطع من سيادة الدولة شيء آخر. لذلك، فإنّ من يقول بإلغاء الطائفية من النفوس إنّما يتذرّع لعدم إلغائها من السياسة.

 

إذا جاز لنا اختصار الأسباب المعقدّة والمركّبة للأزمة المزمنة في النظام اللبناني بسبب واحد، لقلنا من غير تردّد، انتهاك السيادة وعدم احترام الدستور. لهذا السبب بالذات، اندلعت أحداث 1958 بعدما فرّط كميل شمعون بالسيادة الوطنية وربط لبنان بحلف بغداد. ولهذا السبب أيضاً، انفجرت اشتباكات مسلّحة مع الجيش اللبناني عندما قرّر اليسار اللبناني، مدعوماً من النظام السوري والثورة الفلسطينية، إقامة دولة داخل الدولة، ولا سيّما بعد توقيع اتفاقية القاهرة. ولهذا السبب انفجرت الحرب الأهلية عام 1975، عندما انتهكت الميليشيات الدستور، وقرّرت الحلول محلّ الدولة. وها هو الوطن كلّه معرّض للانهيار لأنّ القيمين على السلطة لم يكتفوا بانتهاك الدستور، بل راح كلّ منهم يعتمد دستوراً أو تأويلاً للدستور يناسب حزبه أو مشروعه. “الدستور العوني” بحسب مقالة عماد موسى في “نداء الوطن”، هو أحدث ابتكار في هذا المجال.

 

بدل أن يذهب سعد الحريري ناحية الدفاع عن الدستور، قرّر الإستقواء بالطائفة على خصومه وعلى الدستور. الإدّعاء على رئيس الحكومة، يا دولة الرئيس، ليس ادّعاء على مقام الرئاسة ولا على الطائفة، بل على شخص تولّى المسؤولية ولم يحظ باعترافك ولا باعتراف الطائفة ممثّلاً لها.

 

الحلّ باحترام الدستور والإلتزام بأحكام القانون وتنفيذ قرارات القضاء. من هنا يبدأ الإنقاذ والاستجابة لمطالب الثورة.