يتعمق المأزق الحكومي أكثر فأكثر، مع التأخير غير المبرر بعدم تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة التي يفترض أن تحددها الرئاسة الأولى، في موازاة اتساع الهوة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري الذي شن هجوماً عنيفاً على «التيارالوطني الحر» ورئيسه الوزير جبران باسيل، وما أعقب ذلك من حملات لنواب تكتل «لبنان القوي» استهدفت رئيس «تيار المستقبل»، وهو الأمر الذي سيضع المزيد من العراقيل أمام الإسراع في تأليف حكومة، وفقاً للمعايير التي يطالب بها ثوار الساحات، لا تضم سياسيين وقادرة على انتشال البلد من الغرق.
وإذا كان المنتفضون على طول مساحة البلد، مصرين على أنهم لن يخرجوا من الساحات إلا إذا استجابت السلطة لمطالبهم، فإنّه في المقابل، لا يبدو أن العهد مستعد للاستجابة لهذه المطالبة، بدليل التمادي في تأخير موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي كان يفترض أن تبدأ على إثر استقالة الحكومة. وهذا ما أجج الثورة التي تستعد للقيام بخطوات تصعيدية في الأيام المقبلة، رداً على تجاهل مطالبها، من جانب السلطة التي تتعمد المماطلة، ظناً منها أنها قادرة على المراهنة على الوقت من أجل إضعاف همة الثوار ودفعهم إلى الخروج من الشارع.
ولا تجد أوساط سياسية بارزة، كما تقول لـ «اللواء»، «مبرراً لكل هذا التمادي المتعمد من قبل العهد في الضرب بعرض الحائط للنصوص الدستورية الواضحة والتي تقول بأن استقالة الحكومة يجب أن يتبعها إجراء استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، لا أن تبقى الأمور بهذا الشكل بعد عشرين يوماً على استقالة الرئيس الحريري»، مشددة على أن «التذرع بأن عدم تحديد موعد للاستشارات، غايته تسهيل مهمة الرئيس المكلف، أمر لا يعتد به، لأن الدستور حصر مهمة تشكيل الحكومة بالرئيس المكلف، وبالتالي فإن كل ما يجري حالياً مخالف للدستور وفيه تعد صارخ على صلاحيات الرئيس المكلف».
وتشير، إلى أن «سقوط ورقة الوزير السابق محمد الصفدي، يجب أن تشكل درسًا بليغاً للذين حاولوا الالتفاف على الطرق الدستورية في تسمية الرئيس المكلف، بأن تحديد موعد للاستشارات الملزمة يشكل المدخل الوحيد للسير بعملية تأليف الحكومة، وفقاً لما يقوله الدستور ومن ثم تجري مشاورات يتولاها الرئيس المكلف، على أن يصار إلى الاستجابة لشروط الحراك الشعبي الواسع الذي شهده لبنان منذ السابع من الشهر الماضي، وفي مقدمها تشكيل حكومة اختصاصيين تأخذ على عاتقها إنقاذ الوضع الاقتصادي من السقوط الحتمي، في حال لم تستجب الأطراف السياسية لضرورات الإنقاذ التي تحتم التوصل إلى صيغة حكومية لا تستفز المنتفضين».
وفي تقدير الأوساط، أن «الرئيس سعد الحريري، وحده القادر على اكتساب ثقة المجتمعين العربي والدولي، وهو ما يدركه تماماً أركان العهد والمؤيدون، لكن على قاعدة المجيء بحكومة اختصاصيين تضم شخصيات مشهود لها بالمناقبية والسمعة الحسنة، بإمكانها العمل على إخراج لبنان من المأزق، وتالياً إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعدما بلغ الوضع الاقتصادي الخطوط الحمراء، ولم يعد هناك مجال للتغاضي عما وصلت إليه الأمور، لأن المتظاهرين لن يتركوا الساحات إذا لم يحصل تغيير جذري في الواقع القائم، يؤدي إلى الانفراج الموعود، وبما يحقق خطوات فعلية على طريق الإصلاح ومحاربة الفساد، لا أن تكون الإجراءات القضائية التي اتخذت بحق عدد من المتهمين بالفساد، مجرد إجراءات لامتصاص النقمة لا غير».
وفي الإطار، تشدد مصادر نيابية في «تيار المستقبل»، أن «كل هذه الأساليب الملتوية التي يقوم بها الفريق الآخر لن تقود إلا إلى تعميق الانقسام وإطالة أمد الفراغ الحكومية»، معتبرة أن «الذين يدعون التمسك بالتسوية، يفترض أن يكونوا على مستوى المسؤولية، وأن يلتزموا بالأصول الدستورية لعمل المؤسسات، وتحديداً ما يتصل بتأليف الحكومة».