إنه تسونامي الدولار الذي يجرف الأخضر واليابس، فيما معظم قوى الطبقة السياسية لا تزال تلهو بـ»ألعابها» وألاعيبها من دون أن يرف لها جفن او تحرّك ساكناً.
بدل ان يشكّل ارتفاع الدولار الى مستويات خيالية دافعاً نحو التراجع عن السقوف السياسية المرتفعة، وتخفيض «القيمة الشرائية» للشروط المتبادلة، يستمر المعنيون بتشكيل الحكومة في التمترس داخل خنادقهم، وسط شعور كل منهم بأنّ سلاح العملة الخضراء يُستعمل للضغط عليه ولَي ذراعه.
وبمعزل عما اذا كان هناك من يدير الدولار بالريموت كونترول ام لا، غير ان ما يبدو واضحاً انّ ارتفاعه «البهلواني» ما بين أربعة وخمسة آلاف ليرة خلال أيام قليلة هو في جانب منه مريب ولا يعكس فقط عوامل اقتصادية ومالية.
واذا كان الحراك الشعبي لا يتناسب بعد مع مستوى التهديد الاقتصادي، غير انه لا يمكن ضمان بقائه مضبوطاً، وقد يتحول في اي لحظة انفجاراً اجتماعياً، ما لم يتم تفكيك الصاعق في الوقت المناسب.
واستباقاً للآتي الاعظم، هناك من يعتبر انّ من يبادر الآن إلى التضحية او التنازل لتسهيل التأليف تحسّساً بمعاناة اللبنانيين واختصاراً لها سيكون هو الرابح والقوي وليس المهزوم والضعيف كما قد يتهيّأ للمتحمسين او للمتحسسين زيادة عن اللزوم.
وبناء عليه، ينصح بعض «الضَنينين» على موقع رئاسة الجمهورية الرئيس ميشال عون بأن يتجاوب مع المبادرات المطروحة حتى لو كانت لا تلبي كل آماله وطموحاته، «لأننا وصلنا إلى مرحلة أصبح معها وجود حكومة سيئة افضل بكثير من عدم وجودها، واذا كان الحريري قد تعمّد ان يرفع الى بعبدا صيغة حكومية يعرف سلفاً ان عون سيرفضها، فلماذا لا يباغته رئيس الجمهورية بالموافقة عليها؟»
اما في قصر بعبدا، فإنّ عون لا يزال يُحمّل الحريري المسؤولية الكاملة عن عرقلة تشكيل الحكومة، لحسابات داخلية وخارجية تتعلق بالرئيس المكلف.
وينقل مطلعون عن عون تأكيده انه قدّم الحد الأقصى الممكن من المرونة والتنازل، «لكنني لا استطيع ان أتجاوز هذا الحد لأنّ هناك أموراً لا تتعلق بي ولا أستطيع التصرف بها، كونها تتصل بمعايير دستورية وميثاقية تضمن التوازن والشراكة ليس من حقي التصرف بها».
وتبعاً للعارفين، يعتبر عون انه وأمام تفاقم كل انواع الأزمات، حان الوقت ليحسم الحريري أمره على قاعدة: «ألّف او اعتذر».
واستناداً إلى التقارير الموجودة في حوزته، يشدد عون على أن صعود الدولار غير بريء وغير طبيعي ويجري تحريكه والتلاعب به لأسباب سياسية.
وضمن هذا السياق، تبدي اوساط سياسية على خصومة مع تيار المستقبل اقتناعها بأنّ الحريري هو الذي يستخدم سلاح الدولار للضغط على عون ودفعه نحو الرضوخ لطلباته في الملف الحكومي، لافتين الى ان «المستقبل» صاحب تجربة على هذا الصعيد، وما إسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي في الشارع عام 1992 سوى احد الادلة على خبرته في هذا المجال».
الّا انّ مصدراً قريباً من الحريري يؤكد ان اتهام الرئيس المكلف بتوظيف صعود سعر الدولار للضغط على عون هو اتهام هزيل، لا يمت الى الحقيقة بصلة.
ويلفت المصدر الى انه ليست للحريري اي مصلحة اساساً في رفع الدولار، «ثم بأيّ أدوات سيفعل ذلك، وهل هو الذي يحرّك الصرافين والمنصات؟»
ويشير المصدر الى انّ الحريري متضرر من التراجع الدراماتيكي في قيمة الليرة وممّا يرتّبه من تكبير لحجم الازمة وتسارع في مستوى الانهيار لأنّ المعالجة ستصبح أصعب عليه بعد التشكيل، وبالتالي أين الحكمة في أن يطلق النار على قدمه قبل أن يدخل السرايا؟
ويشدد المصدر على أن ما يجري في السوق النقدية هو ضغط على الحريري بالدرجة الأولى بصفته الرئيس المكلف، «علماً انه لا يحتاج اصلاً الى هذه الوسيلة لتحسين موقعه التفاوضي كونه غير محرج في موقفه بعدما صار مكشوفاً انّ رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل هما اللذان يعرقلان تشكيل الحكومة».
وينبّه المصدر القريب من بيت الوسط الى انّ لعبة الدولار لا يمكن أصلاً التحكم بها او السيطرة عليها، «والطرف السياسي الذي يستخدمها بإمكانه ان يقرر بدايتها لكنه لا يستطيع التحكم بنهايتها وربما تصيبه شظاياها لاحقاً. وبالتالي، فهو سيكون متضررا منها لأنها قد تولّد في اي لحظة انفجاراً اجتماعياً او غضباً شعبياً لا يميز بين مسؤول وآخر او بين جهة سياسية واخرى».