في ظلّ الجمود الحكومي، يدور نقاش خارجي حول احتمالات تأليف حكومة من دون الرئيس سعد الحريري. إيجابيّتها تأليف سريع لتخفيف حدّة الاصطدام الداخلي، وسلبيّاتها ارتدادات خروجه في الشارع السنّي مسيحياً وشيعياً
تدور نقاشات في عواصم معنية بمتابعة الوضع اللبناني، بما فيها باريس، حول الاحتمالات المتعلقة بمستقبل لبنان، نتيجة التعثر في تأليف الحكومة، وما يمكن أن يؤول إليه من مخاطر تهدّده. وتُبحث مجموعة أفكار مطروحة للتداول، كجسّ نبض وليس كقرارات محسومة، قد تعكس زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان جانباً منها.
تنطلق النقاشات من أن الطموح العالي السقف بحكومة إنقاذية تتجاوب مع الطروحات المالية والاقتصادية انتهى فعلياً، وبات الجميع يسلّم بأن الوضع الحكومي الحالي في دائرة مقفلة، وأن الأفق مسدود أمام كل المبادرات المطروحة، لأن كل ما يجب أن يقال ويعمل به، قيل وعُمل به على مدى أشهر طويلة، في لبنان وخارجه، من دون أي نتيجة. كما أن حجم الانهيار الذي يقبل عليه لبنان في حال بقاء الحكومة معلّقة، واستمرار التدهور المالي والاقتصادي نحو مرحلة أكثر سوءاً، سيكون أكبر من المتوقع، لا بل إن «حجم الانفجار سيكون كبيراً وشاملاً، بحيث يكون انفجار المرفأ عيّنة منه». ولتفادي «الاصطدام الكبير» تُطرح أفكار كمخارج، منها تأمين هبوط ناعم للأزمة المتشابكة عبر تأليف حكومة غير تلك التي يُتداول بها، ومن دون الرئيس سعد الحريري، ليس استهدافاً له، بل نتيجة تصرف الأفرقاء كافة بما لا يتناسب مع حجم الانهيار الفعلي للوضع، ما أوصلهم جميعاً الى حائط مسدود من دون تقديم تنازلات. ولأنه بات من الصعب تأليف حكومة انطلاقاً مما وصلت إليه الأوضاع، وإحداث خرق حقيقي، يصبح الخيار حكومة مختلفة بشروطها وتركيبتها عمّا هو متداول منذ أشهر، ولا تنطلق من أي قاعدة عُمل بها سابقاً. ومهمة الحكومة الجديدة، الآتية من دون أعباء مسبقة، العمل بالحد الأدنى لترتيب الوضع وتمرير ما يمكن تمريره من ضرورات حياتية ومالية واجتماعية (على غرار المراسيم التي تعمل بموجبها بها الحكومة المستقيلة)، أي من دون توقعات كبيرة بقدرتها على القيام بعملية إنقاذ شاملة. بل إن أقصى الطموحات أن تُؤلّف «بالتي هي أحسن» لإدارة المرحلة المقبلة، في انتظار الحل الأوسع والشامل، لا أكثر ولا أقل.
لم تصل النقاشات الى تفاصيل التأليف في حدّ ذاته، لأن المطروح عملية إنقاذ سريعة وهذا هو الأساس والأهم. لكن الاحتمالات المطروحة تأخذ في الاعتبار، بجدية فائقة، ارتدادات هذا السيناريو، ومن أهمها وضع الرئيس سعد الحريري والشارع السني. والبداية تنطلق من سؤال عن موقف الحريري مما هو مطروح للنقاش، وهل يتقبّله، وكيف سيكون تموضعه السياسي خارج الحكومة، معارضة أم انكفاء، أم يقف الى جانب حلفائه السابقين بعدما انقطعت بينهم كثير من الجسور، وهل سيكون خروجاً سهلاً أم مدوّياً مع ما يطرحه من إشكالات؟ إذ إن حكومة من دون الحريري تطرح إشكاليّتين، شيعية ومسيحية.
بات الجميع يسلّم بأنّ الوضع الحكومي الحالي في دائرة مقفلة وأن الأفق مسدود
شيعياً، يحاول حزب الله منذ تكليف الحريري لجم أي توتر سني ــــ شيعي، وهو لهذه الغاية لا يزال متمسكاً به. لكن أي تقدم لفكرة إخراج حكومة جديدة من دون الحريري، لن تبقي الشارع السنّي حيادياً تجاه الحزب. وهذا الشارع هو «شوارع»، بالمعنى الجغرافي والسياسي، من الجنوب الى البقاع وبيروت وطرابلس، واحتمالات أن «يلعب» به أي متضرّر قد تكون كبيرة، تحت عنوان الدفاع عن إخراج الحريري، وخصوصاً أن هناك أكثر من طرف سنّي قادر على تحريك هذا الشارع لأسباب سياسية وأمنية.
وهناك أيضاً احتمال ارتداد إخراج الحريري مسيحياً، مهما كانت طريقة خروجه. فمنذ أن تفرملت الاندفاعة الحكومية وبدأت الشروط والشروط المضادة بين الحريري والعهد والتيار الوطني الحر، حصر الكلام منذ أشهر في موضوع صلاحيات رئاسة الحكومة، وجرى تزخيم هذا النقاش في الاتجاهين السني والمسيحي بقوة في الأسابيع الماضية. وبوشرت وفق ذلك عملية «حقن» في نفوس مناصري الطرفين تحت عنوان التمسك بالصلاحيات، وسط حملات اتهامات متبادلة بينهما. لذا يعكس خروج الحريري من السلطة، في حكومة سيكون فيها للتيار الوطني خلف واجهة العهد، حضور معين، خللاً في التوازن السياسي المسيحي ــــ السني، بما يعدّ انتصاراً لفريق مسيحي قد يستفيد منه علانية. وهذا يترك، بعد أشهر من السجالات الحادة/ إمكانات مفتوحة على تحويل الصراع السياسي إلى توتر طائفي بعد انحسار هذا الوجه من الصراع لسنوات. وأي احتمال من هذا النوع، كفيل بأن يضيف عوامل تفجير جديدة على الوضع المهيأ أساساً لكل الاحتمالات. من هنا، تعود النقاشات الحكومية خارج لبنان الى طرح كل ما يمكن أن يرتدّ سلباً على أي فكرة قابلة للتطبيق، وكل ذلك تحت سقف أساسي عنوانه الخوف من مرحلة آتية حكماً، تحمل عوامل تفجير داخلي اجتماعي ــــ أمني، كل التقديرات أن المسؤولين من سياسيين وماليين وأمنيين في لبنان، لم يستوعبوا بعد حجمه الحقيقي. لذا يكمن التريث في الانحياز الى أي من الخيارات المطروحة لأن الوقت يضيق، وكل ما هو قيد النقاش على مستوى رفيع يحمل في ذاته مخاطر في كل الاتجاهات، طالما ينكفئ المسؤولون في لبنان عن السير بقرار داخلي محض، عنوانه لجم الانهيار بأي ثمن.