IMLebanon

دينامية عودة الحريري تُعيد ترتيب الأوراق ولا تطلق تحريكاً لجمود انتخابات الرئاسة

يطمح سياسيون كثر الى أن تكون عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت بمثابة تغيير جوهري يساهم في تعديل قواعد اللعبة السياسية القائمة راهنا في لبنان، أو على الاقل يعيد ترتيب الاوراق التي تم خلطها في الاونة الاخيرة بطريقة فجة، انطلاقا من موقعه وحيثيته كزعيم يترك غيابه عن لبنان فراغا مؤذيا على صعد عدة وساهم استغلال هذا الغياب في إرساء قواعد لعب سياسية معينة. هذه العودة تكسب في الواقع الوضع السياسي دينامية حيوية لا يمكن تجاهلها او اغفالها، لكنها تتوقف الى حد كبير على أمرين او ثلاثة على الاقل: اولا على المدة التي سيبقى فيها في لبنان على رغم أن هناك آراء يتفق عليها سياسيون كثر مع رؤساء بعثات ديبلوماسية اجنبية على اهمية أن يعود الحريري عودة دائمة الى بيروت لاعتبارات سياسية في الدرجة الاولى تتعلق بتياره وجمهوره المتشوق الى عودته، بالاضافة الى تنظيم أوضاع كل من “تيار المستقبل” وقوى 14 آذار، وقد أصاب كلا منهما تصدع كبير نتيجة عوامل عدة. ومعلوم أن البلد على جانب كبير من التوتر الداخلي المضمر او المخفي على نحو قد لا يكون مطمئنا او مريحا، لبقاء الحريري في لبنان طويلا، بالاضافة الى ان عودته قد لا تناسب بعض الافرقاء لاعتبارات متعددة، فيبرز ذلك واضحا في مواقفهم السياسية والاعلامية وحملات اعلامية مختلفة تستهدفه. ثم إن هذه الدينامية تتوقف ايضا على سبل تحريك الامور المجمدة ان في ملف الانتخابات الرئاسية او في العمل الحكومي. فهناك عنوان رئيسي يقول سياسيون انهم استشفوه من خطاب الحريري في مجمع البيال، بعيدا من التفاصيل التي أسهب في شرحها، الا وهو اننا قمنا بكل شيء يمكن القيام به ولسنا قادرين على القيام بأي شيء اضافي من اجل الخروج من التعطيل، موضحا ان كرة هذا التعطيل في ملعب من يقاطع جلسات مجلس النواب منذ سنتين حائلا بذلك دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهناك عنوان فرعي أساسي تم استشفافه من الخطاب مفاده انه لن يغير رأيه من أجل تأمين انتخاب العماد ميشال عون تلبية للشروط المرتفعة التي وضعها “حزب الله” عن حتمية انتخاب مرشحه فقط، على غير ما سادت انطباعات وشائعات عن احتمال تغيير في موقف الحريري قبيل جلسة 2 آذار المقبل، بحيث يتأمن انتخاب عون في هذه الجلسة كما عمم بعض الافرقاء السياسيين. فهناك دفع في بعض الاتجاهات في هذا الاطار مبنية على واقع الرهان على تعديل او تغيير في موقف المملكة السعودية او على نسبة مواقف محددة اليها بما رفع من مستوى التوقعات على هذا الصعيد. وقد تم اظهار الامور في بعض الاوساط السياسية وكأنما هناك من يملك مفتاح الكلمة المقررة السعودية في موضوع الرئاسة وعلى انها ليست فعلا في جيب الرئيس الحريري وذلك على رغم استهانة ديبلوماسية كبيرة بهذا المنطق لجهة اقحام السعودية في هذه الحسابات، في حين ان الواقع السعودي في غير مكان كليا بالنسبة الى لبنان على الاقل. أما الامر الثالث فمرتبط بقدرته على اعادة ترميم الصدع الذي اصاب قوى 14 آذار وتحالفات القوى في ما بينها. ولا يمكن القول، من مؤشرات خطابه، ان بعض الحلفاء وفي مقدمهم “القوات اللبنانية” بدوا مرتاحين، على رغم اجتماع الجميع تحت مظلة ذكرى رفيق الحريري، في حين ان التحدي هو في اجتماع الجميع تحت مظلة 14 آذار التي بات موعدها قريبا.

في أي حال، وعلى اهمية الموقف الذي أعلنه الحريري وتوقيت عودته، وإن المرتبطة بذكرى اغتيال والده، ليس هناك انطباع ان هذا الموقف قد يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية وتاليا انهاء الفراغ بما يضع البلاد على سكة الخروج من الخطر الذي يحدق به. فثمة جمود برز بعد ترشيح مرشحين من قوى 8 آذار عن عدم استعداد ” حزب الله” لانتخاب رئيس رغم ذلك ما لم ينجح في فرض مرشحه الوحيد والاوحد كما قال، في حين يتفق الجميع على انه احكم ربط لبنان بقرار خارجي قد يتصل بالوضع السوري الذي لا يملك احد رؤية مستقبلية في شأنه او باعتبارات اخرى. لا بل ثمة خشية اضافية تتصل بواقع ان ينعكس هذا الموقف سلبا على الواقع الحكومي المتعثر اصلا على رغم استعادة العمل الحكومي وتفعيله. اذ ان وزراء من خارج قوى 14 آذار يشعرون ان لا نية تعاون فعلية او كبيرة في مجلس الوزراء بل ان هناك حاجة لتمرير مرحلة ما تتصل بضرورات معينة في حين ان ثمة انتظار غير خاف لقابل الايام وما يمكن ان تحمله.

فيما ترك كلام الحريري في المقابل تفاعلات ايجابية واخرى سلبية في اتجاهات عدة. اذ مما لا شك فيه ان موقفه اثار ارتياحا لدى النائب سليمان فرنجيه في مقابل استياء كبير استشفه سياسيون من وزراء ونواب التيار الوطني الحر والذي يعتقد انه سيرد على الحريري في البيان الذي سيصدر بعد اجتماع تكتله اليوم. اذ ان موقف الحريري يحرج التيار في تحميله مسؤولية الفراغ الرئاسي نتيجة مقاطعة مستديمة للبرلمان واستعداده لتهنئة عون اذا تم انتخابه. وهو اثار ارتياحا لدى حزب الكتائب فيما يرى البعض ان التركيز على الاخير بعيدا من القوات او على حسابها قد لا يسمح بسهولة اعادة ترتيب العلاقات بينه وبين جعجع بل قد يدفع رئيس “القوات” الى التصاق اكبر بعون في غياب البعد غير المسيحي او الوطني.