لأن سعد الحريري رئيس تيار المستقبل، وحامل ارث والده الشهيد رفيق الحريري، غير متواجد في لبنان بصورة شبه دائمة، ليرعى مباشرة وعن قرب تياره الشعبي العريض، في ظروف التحوّل السريعة التي تشهدها المنطقة العربية، دينياً بعد الاجتياح التكفيري لمناطق واسعة في سوريا والعراق وليبيا، ومدى تأثيره على الداخل اللبناني، خصوصاً بالنسبة الى تيار المستقبل الذي يمثل الحالة الاسلامية المعتدلة، وبعد التفاهم النووي بين العالم وبين دولة ايران، الذي له ايضاً انعكاسات على العلاقة بين السنّة والشيعة من جهة، وبين قوى 8 و14 آذار من جهة ثانية، ولأن الشلل والفراغ والخلافات تسيطرعلى كل شيء في لبنان، ما يحوّله الى قنبلة موقوتة، يمكن ان تنفجر في اي لحظة، في غياب من يفترض به ان يكون حاضراً لتلقّي المشاكل والصدمات، بدلاً من تركها تتفاعل داخل تياره، بسبب تضارب الآراء، ما يجعل عملية احتوائها ومعالجتها لاحقاً، عملية صعبة ومعقّدة، وقد لا تؤتي ثمارها، خصوصاً بوجود خصوم شرسين وقادرين على الافادة من غياب الرأس في الدولة، والرأس في تيار المستقبل، لتوجيه ضربات موجعة ومؤذية لسعد الحريري وتياره وحلفائه، وهذا ما حصل أولاً في حالة النائب خالد الضاهر، وبعدها مع حالة الشيخ احمد الأسير، ومؤخراً في استغلال الحراك الشعبي، وتوجيهه لتسجيل هدفين في مرمى تيار المستقبل، الأول اثارة حالات القلق والرفض في المناطق والاقضية المعتبرة الخزّان الشعبي للتيار، مثل عكار، وطرابلس، والضنيّة، والبقاع، وصيدا، واقليم الخروب، وشبعا، وتنظيم اعتصامات لرفض اي خطة لمعالجة النفايات، وتحميل وزراء المستقبل وحلفائه المسؤولية. والهدف الثاني هو التركيز الاعلامي والشعبي لاعطاء صورة للبنانيين وللخارج، على ان الفاسدين هم جماعة تيار المستقبل، وهذا الهدف بدا واضحاً في ابتعاد منظّمي التحرّك الشعبي ومن يقف وراءهم عن فضائح الكهرباء والماء والطرقات واستغلال المرافق العامة، مثل المطار والمرفأ، وصبّوا غضبهم على الوسط التجاري وسوليدير، ويمكن القول ان هذا الهدف نجح بنسبة جيدة، وان تيار المستقبل يعيش بلبلة غير مسبوقة، والبلبلة الأكبر هي بين جمهوره، لأن قيادته بعيدة عنه، ولا يدري كيف يتصرّف.
مما لا شك فيه ان جميع من شاركوا النظام السوري في حكم لبنان، شاركوه ايضاً في فساده، وحتى لا نعمّم، نقول ان قلّة قليلة بقيت فوق الغربال، ولكن خصوم تيار المستقبل نجحوا حتى الآن في استغلال وجع الناس، وموّلوا الحراك الشعبي، لابعاد الشبهات عنهم وإلصاقها بتيار المستقبل، وغياب سعد الحريري، كان ورقة رابحة في أيديهم ولعبوها بذكاء.