فعلها سعد الحريري واعلن ترشيح ميشال عون في مغامرة قد تكون الاصعب والاكثر خطورة في تاريخ زعيم تيار المستقبل ومن اكثر الخطوات مخاطرة وجرأة ربما لكون ما سيترتب عن القرار الصعب حريرياً سيبقى مبهماً الى ما بعد انتخاب ميشال عون رئيساً وانطلاق عملية تكليف وتشكيل الحكومة التي قد تعتريها معوقات واشكاليات كما يمكن ان تسير وفق الخط الذي رسمه اتفاق عون الحريري قبل فترة.
يدرك الحريري ان الخطوة التي ربما قد لا يجرؤ عليها آخرون وهو الخارج من انتكاسات وخيبات في السياسة قد لا تكون «بالمشوار» العادي، فمشوار الطريق مع «الجنرال» ليس امراً سهلاً تقول مصادر مسيحية، ولكن الاصعب منه هو تلك الجبهة العريضة التي فتحت على قرار الحريري من عين التينة وبنشعي ومن الرجلين اللذين حرص الحريري على مناداتهما كل على حدة في خطاب ترشيح عون بعبارة «الصديق الغالي» لكل من بري وفرنجية، ولعل اكثر ما ينبئ بالنقمة او عدم استسهال المرحلة المقبلة التي استجلبها الحريري من خلف تبني ترشيح عون كان يمكن ان يستشف من اللقاء البارد جداً في عين التينة بين رئيس المجلس والمرشح الرئاسي ميشال عون وما فهمه عون من ذلك اللقاء ان بري سيحضر الجلسة الرئاسية لكنه لن يصوت لعون ولن يذهب الى تسمية الحريري رئيساً في الاستشارات النيابية الملزمة.
قد يكون سعد الحريري قطع اشواطاً مهمة بترشيح ميشال عون ذلك الترشيح الذي بذل في سبيله الحريري مجهوداً استثنائياً لتمرير الاسباب والموجبات التي جعلته يخطو هذه الخطوة لدى المستقبليين الناقمين على عون بعد ان قدم شروحات وتفسيرات لقراراه بدأت باستحضار والده الشهيد رفيق الحريري في لقاء اركان المستقبل لاعلان البيان وفي معرض تبرير تسمية عون بالسؤال عما كان سيفعله رفيق الحريري «لو كان بيننا اليوم» سواء لجهة الاغتيالات او السابع من أيار او الانتخابات النيابية عام 2009، وحيال استمرار الفراغ، فبدا أن حاله تشبه حال «مجبر اخوك لا بطل»، وانه يضحي بكل شيء لانقاذ الوضع السياسي وانهاء الفراغ. لكن الحريري قطع نصف المسافة وبقيت الامتار الصعبة، وبتعبير اوضح فان الحريري كما تقول المصادر المسيحية «أمن الطريق الآمن» لوصول عون الى بعبدا لكن طريقه اصبحت معقدة يمكن ان تصبح غير سالكة الى الحكومة ايضاً. وثمة من يقول ان ميشال عون «ارتاح» عملياً بعد ثلاث سنوات من السعي الدؤوب الى الكرسي، لكن الحريري الذي سلك خيار عون رئيساً بعدما سدت في وجهه كل السبل والطرق فخسر جزءاً من رصيده نتيجة ابتعاده عن السلطة في السنوات الماضية وقد خرجت قيادات في المستقبل عن طاعته بتمردها وفتحها خطوطاً سياسية على حسابها، كان لا بد ان يعود الى الحكم بعد ان تبلغ القرار السعودي بالقيام بما تمليه عليه الضرورة ومصلحة وطنه، قد لا يجد بالضرورة ضالته في هذا القرار، فالتجربة لن تكون سهلة وما حكي عن تفاهم «نادر الحريري وجبران باسيل» حول مجمل المواضيع قد يجد من يعرقله ويقف له بالمرصاد، خصوصاً ان ثمة مخاوف من تنامي الثنائية المسيحية والسنية بدأ يتسرب الحديث عنها من المتضررين من تقارب الحريري وعون.
وعليه ترى المصادر ان قرار الحريري يطرح التساؤلات حول «من يضمن عودة الحريري الى الحكم، وهل يمكن ان يكون الحريري أعطي شيكاً على بياض بدون توقيع، خصوصاً ان الالتزام بالحريري هو التزام نظري بأن يكون رئيساً لحكومات عهد عون، ام ان الحريري حصل على ضمانات من عون بعدم عرقلة تشكيل الحكومة؟ الجواب على التساؤلات ربما يكون في ان ثقة الحريري بعون هي بدون حدود فالرجل وفي لالتزاماته وتحالفاته، هكذا بدت علاقته مع حزب الله منذ تفاهم مار مخايل رغم كل المطبات كما ان حزب الله لم يخذل عون في استحقاق الرئاسة، وهكذا يسير عون ايضاً بالتزام اخلاقي بتفاهمه مع معراب، وفي اعتقاد كثيرين ان ميشال عون اذا وصل الى بعبدا سيحاول انجاح عهده وسيطبق الميثاقية على كل مكونات الوطن وليس على المسيحيين وحدهم، وبالتالي فان عون سيكون صلة الوصل بين الحريري وحزب الله وسيكون بامكانه ازالة الكثير من الحواجز التي ارتفعت في السنوات الماضية وخصوصاً ان الحوار بين المستقبل وحزب الله «كسر الحدة» في العلاقة لكن عودة الحريري الى الحكومة بوجود عون في قصر بعبدا ستكون مختلفة عن المرحلة الماضية وتؤشر الى فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الاطراف الثلاثة.
يبقى ان اعادة وصل الجسور مع عين التينة هي الاصعب والاكثر كلفة على الحريري وعون بحسب المصادر المسيحية، فكل من عون والحريري مدرك تماماً لموقع عين التينة في المعادلة الداخلية، ولمخاوف وهواجس نبيه بري من ان تأتي الثنائية في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة على حساب رئيس المجلس، وهنا تكمن مهمة ودور حزب الله في ازالة هواجس الحليف الشيعي في عين التينة.
في المحصلة فان الحريري قام بمغامرة حياته كما تقول المصادر، فاما يعود الحريري قوياً الى السلطة ويتحول المشهد الى «سوريالي» بتشكيل الحكومة وتلاقي عون والحريري وجعجع حول قانون الانتخاب، واما تشهد المرحلة المقبلة تعقيدات قد لا تقل عن تعقيدات الاشهر الاخيرة وخصوصاً ان الاعصاب مشدودة الى اكتمال المشهد السياسي بانتخاب عون وحيث تتسلل المخاوف من هزة امنية او ما يعيد عقارب الساعة الى الوراء ويساهم في تعقيد المشهد الرئاسي. وفي كل الاحوال فان المشهد السياسي يشهد مرحلة انتقالية، فثمة تكريس بدأ لظاهرة اختفاء 8 و14 آذار، فالحلفاء في 8 آذار في معركة الرئاسة لم يعودوا انفسهم، شخصيات اساسية في هذا الفريق عارضت ولن تنتخب ميشال عون وقيادات في المستقبل رفضت الامتثال لموقف الحريري وستنتخب ميشال عون بورقة بيضاء.