يمكن القول ان عودة سعد الحريري الى لبنان حتى الآن لم تنجز الخطة المرسومة من قبل الحريري نفسه وفريق عمله لاعادة تعويم تيار المستقبل والعودة الى السراي الحكومي والامساك بمفاصل اللعبة الرئاسية او ربما تقرير مصير تلك الرئاسة. واقع الحال يبدو اليوم مغايراً لما اراده زعيم المستقبل، استرجاع شريط العودة منذ احتفال «البيال» لا يبدو مشجعاً وحماسياً، فعندما عاد سعد الحريري الى لبنان عشية احتفال «البيال» كانت كل التوقعات تشير الى حدث ما او تحول سيغير في الواقع السياسي الراهن المتأزم فاستبشر بعضهم حلولاً سحرية حريرية للملف الرئاسي العالق منذ 21 شهراً إما بسحب ترشيح سليمان فرنجية او بتفاهم مع الرابية يفضي الى حلول للأزمة وينتج رئيساً للجمهورية ورئيساً للحكومة، ولكن ما هي الا ساعات على مضي المناسبة الآذارية حتى اتضح السيناريو او خريطة الطريق التي يسير عليها الحريري والتي باشرها بهجوم واسع من على منبر «البيال» على حزب الله وايران وبمزحة سمجة لحليفه المسيحي في معراب يصعب على الحكيم حتى اليوم ان يهضمها ولو «تسحر» الزعيمان مع بعضهما ذات ليلة رمضانية او زار احدهما الآخر.
الحريري اليوم لا يشبه الحريري قبل سنة، العودة في آذار الماضي لا تشبه كثيراً سابقاتها في نظر سياسيين من فريق 8 آذار لأنها تأتي في مرحلة اقليمية حرجة على خلفية ما يحصل في سوريا واليمن والعراق وفي توقيت بالغ الدقة لبنانياً قبل الاستحقاق الرئاسي . فالحريري بعودته الى الساحة لا يشبه الحريري بالامس عندما عاد على اثر تفاقم الخطر الارهابي واختطاف العسكريين من قبل «داعش» و«النصرة»، فيومها عاد الحريري عندما كان مطلوباً منه اداء دور سياسي مختلف عندما دخل الوضع دائرة المحظور وهددت الدولة الاسلامية عرسال ولبنان فعلياً لانشاء امارتها وبعدما طرقت الفتنة السنية -الشيعية الابواب وراحت السيارات المفخخة تتجول بين الضاحية وجبل محسن وانكشفت سيناريوهات مخيفة كانت تعد للمناطق اللبنانية، فكان لا بد من وضع اليد مرغماً بيد حزب الله واطلاق الحوار بين المستقبل والضاحية.
تلك العودة بالنسبة الى 8 آذار اثمرت ستاتيكو امتد لفترة مقبولة من الزمن تخللتها خروقات واحداث ومناوشات في السياسة بقيت مضبوطة الى حد ما وتحت المظلة الاقليمية، الى ان تغيرت المعطيات وقرر الحريري وفق الاوساط في 8 آذار ان ينفذ اجندة ما وليكون فاعلاً ومؤثراً على الساحة. فحصلت حركة متوترة داخلية تجاه الاخصام في السياسة وبرسائل تصعيدية تجاه فريق 8 آذار الذي كان سبق ان رشح احد قياداته للانتخابات الرئاسية وقد تخطى التصعيد وتجاوز كل السقوف وكاد ينذر بسقوط الحكومة لولا توفر الارادة الوطنية الجامعة، وهذا التصعيد وفق الاوساط كان متوقعاً من الحريري لعدة اعتبارات تتصل بوضعه السياسي وبازمته المالية وعلاقته بالسعودية. فالحريري تلمس مؤخراً ان شعبيته تراجعت كثيراً على الساحة السنية وان قيادات سنية اخرى من تيار المستقبل باتت تنافسه في مناطق محددة ذات الامتداد السني فكان لا بد من العودة لتأنيبها واخراجها من المعاجلة بطريقة الحشر السياسي وهذا ما صح على الوزير السابق اشرف ريفي بعد هجوم الحريري عليه قبل العودة ونزع الصفة التمثيلية عنه، لكن حسابات الحريري ظهرت في غير محلها، فبرز عجز زعيم المستقبل في انتخابات طرابلس التي مني بها الحريري بخسارة قاسية لأن الانتخابات تحتاج الى المال الذي تعود الحريري على استعماله في الاستحقاقات، فيما لم تكن نتائج زحلة وبيروت باحسن حال.
عودة الحريري لم تصبح بعد على المستوى المطلوب حريرياً، فالحريري قبل مغادرته لبنان كان يمسك بالقرار وحده في 14 آذار وفي المستقبل واذا بتيار المستقبل صار الى حد ما تائهاً واضاع البوصلة بعد الانتخابات البلدية واذا بصراع الاجنحة في تيار المستقبل يتعزز وسط صراعات النفوذ والامساك بالسلطة. الوضع مع المملكة السعودية لم يعد يشبه ذاته في المرحلة الماضية، فالمملكة لم تسعف الحريري في مسعاه للعودة قوياً عندما منعت الهبة العسكرية عن الجيش، ولا تفسيرات بعد عن اسباب احجام المملكة عن مساعدة الحريري واسعافه او مد يد العون اليه مالياً، مما يؤشر الى ان العلاقة ليست بخير ايضاً، مما يجعل المستقبل يترنح مجدداً في ازماته المالية والسياسية والتنظيمية. عدا ذلك فان الحريري يتخبط في موضوع دعم عون للوصول الى بعبدا بحسب الاوساط، فالسير بهذا الخيار بدون شك ليس ملك الحريري وحده ودونه معوقات اقليمية ودولية الا ان كلمة الحريري مؤثرة وقد تحسم خيارات كثيرة. لكن الحريري لا يبدو انه منسجم مع هذا الخيار الذي قد يربحه وقد يخسره في آن معا، فالحريري لم ينجح بعد في تجاوز مطب او ازمة دعمه لسليمان فرنجية احد ابرز مرشحي 8 آذار، فكيف اذا سار بخيار ميشال عون الذي قد يكون مكلفاً وثمنه باهظ واكثر عبئاً في المستقبل، خصوصاً ان الحريري يعتبر ان التعاون مع عون لن يكون سهلاً وفق معادلة عون في بعبدا والحريري في السراي.