IMLebanon

الحريري بعد الملك عبد الله: باقِ.. باقِ.. باقِ!

 

 

بين جولة حوار وأخرى بين «تيار المستقبل» و «حزب الله»، يستقل نادر الحريري الطائرة باتجاه جدة ليضع الرئيس سعد الحريري في أجواء شاردة وواردة اللقاءات في عين التينة. مدير مكتب الحريري في حركة ذهاب وإياب استثنائية تواكب عملية انطلاق عجلة حوار قرّر «الشيخ» مسبقا عدم رفع سقف رهانه عليه.

يصعب على سائلي سعد الحريري اليوم معرفة توقيت العودة النهائية لمواكبة الحوار عن قرب. إذا كان هذا الخيار ممكنا بعد «بروفا» العودة الاولى في 8 آب الماضي، والذي تأجّل أكثر من مرة ربطا بالاوضاع الامنية، وصولا الى اتخاذ القرار الكبير بجلوس قطبيّ الصراع وجها لوجه، فإن هذا التوقيت ربط في الآونة الاخيرة بعاملين أساسيين: صحة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز ومآل الحوار مع «حزب الله».

كرّس سعد الحريري مؤخرا جزءا كبيرا من وقته لمتابعة يوميات مرض الملك. حتّى ان اللقاءات الخاصة وزيارات الترفيه عن النفس و «تغيير الاجواء» الى باريس، خفّت كثيرا.

كثر من المقرّبين منه يجزمون بأنه لو عاد فعلا الى لبنان في الفترة الماضية، فإنه كان سيحزم حقائبه مجددا ليكون على أراضي السعودية من باب إبداء الحرص على التواجد الشخصي هناك حين يعلن خبر الوفاة.

التطمينات العلنية السابقة لديوان الملك ولولي العهد الامير سلمان بن عبد العزيز عن صحة عبدالله، البالغ من العمر 91 عاما، لم تكن كافية. الحريري نفسه وقع اكثر من مرة منذ ايار 2013، كما غيره من الامراء السعوديين، ضحية شائعات اجتاحت العالم الافتراضي بشأن صحة الملك المريض.

ثمّة متفائلون ومتشائمون حين تحضر المقاربة حول مستقبل رئيس «تيار المستقبل» بعد مرحلة الملك عبدالله، فيما الملك سلمان (82 عاما) يعاني هو ايضا من مشاكل صحية دقيقة. فريق يتكلّم عن يُتْمٍ حريريٍّ محتملٍ بعد مرحلة احتضنت فيها السعودية الرئيس رفيق الحريري ونجله، من باب احتضان الشخص و «المشروع» والزعامة.

باعتقاد هؤلاء، وفاة الملك ليست تفصيلا، وان وسط الانتقال السلس الى عهد الملك سلمان، بل الحبة الاخيرة في عنقود تغييرات حتمية ستكون نتاج صراع الاجنحة داخل الاسرة الحاكمة مع عودة السديريين الى الواجهة. هم يتخوّفون من نزاع محتمل على السلطة قد تكون له انعكاسات مباشرة على تماسك ووحدة العائلة الحاكمة، وبالتالي على خياراتها الخارجية، ومن بينها نظرتها الى المكوّنات السنّية على الساحة اللبنانية.

فريق آخر يهزأ من هكذا تخيلات واستنتاجات غير واقعية. يرى هذا الفريق ان المملكة، يتحكم بها منطق المعادلات الاقليمية في المنطقة، وان استمرارية السياسة السعودية من الثوابت. و «حالة سعد» بهذا المعنى، بما تمثله من تيار سني واسع، لها رمزيتها التي لا يمكن لاحد القفز فوقها او تجاهلها او تحجيمها، فكيف بالأحرى السعودية.

يقول هؤلاء «سعد الحريري ليس مستشارا او وزيرا أو نائبا عاديا تلفحه رياح التغييرات في عاصمة مؤثرة كالسعودية. هو جزء من معادلة اقليمية بحدّ ذاته!».

أكثر من ذلك، يدلّلون بالاصبع الى علاقة الحريري الممتازة مع الامير مقرن بن عبد العزيز الذي عيّن وليا للعهد، فيما كانت تربط الملك سلمان علاقة وثيقة مع الرئيس الحريري لم تنقطع خيوطها مع «الشيخ سعد»، مشيرين الى النفوذ المستمر لرجالات الجيل الاول.

وفيما يواكب الرئيس الحريري عجلة التغييرات داخل الاسرة الحاكمة، لا يفوته اي تفصيل عمّا يجري على «سطوح بيروت» من حوارات بالجملة.

جزء أساسي اليوم من فريق عمل الرئيس الحريري عاد الى بيروت من أجل متابعة بعض الملفات، بعدما واكب «الشيخ» عن قرب في السنوات الماضية خلال تجواله بين الرياض وباريس.

لا يسع الراصدون للعودة الحتمية والنهائية للحريري ـ «يوما ما» ـ سوى رسم مسار منطقي لما بعد العودة عنوانه التعاون والتنسيق مع الرئيس نبيه بري. الدائرة الحريرية تتحدث في هذا السياق عن علاقة أصبحت أكثر نضجا بين «الاستاذ» و «الشيخ»، وتتّسم بتفهّم أكبر من جانب الحريري لموقع بري ودوره في المرحلة السابقة والراهنة.

وتحت هذا العنوان سيرتّب الحريري علاقاته مع حلفائه بعد جولات التوتر المتكرّرة، ومع خصومه «السابقين» على ضوء الحوار الاول من نوعه مع «حزب الله» والحوار الذي لم يكتمل مع ميشال عون.

كل من يلتقي الحريري هذه الايام ينقل عنه قناعته الشخصية بضرورة الجلوس مع «حزب الله» بالمباشر وليس بالواسطة «من اجل حماية البلد»، خصوصا على ضوء المعطى السوري المفتوح على تمديد طويل الامد.

قبل وفاة الملك عبدالله بدأ الرئيس الحريري بإحياء ذكرى 14 شباط على «حائطه» على «فايسبوك». وقد طلب من مناصريه ومؤيديه الانضمام الى الصفحة الرسمية لـ «الشهيد رفيق الحريري».

المهم ان «الشيخ» لا يحيد عن الثوابت، حتى لو روّج المتضرّرون لخسارة «المستقبل» لمعركة جرّ الحزب الى ملعبه.. فحصل العكس. المحكمة الدولية وشهادات المحكمة «ماشية»، بغض النظر عن رأي الحزب بها. إحياء ذكرى الاغتيال من الثوابت أيضا مع اختلاف الكادر. الموقف من مشاركة «حزب الله» في القتال في سوريا، ورفض تقديم الغطاء السني لها خارج اي نقاش او تسوية. والدليل عدم صدور اي بيان عن الحريري بشأن عملية القنيطرة.

من السعودية يكرّس الحريري وقته لسماع القسم الاكبر من شهادات رفاق الشهيد في لاهاي. قد تحمرّ العين أكثر على الشهادة المرتقبة التي سيدلي بها النائب وليد جنبلاط، حيث بشّر الاخير، ومسبقا، بأنه سيقول الامور «على طريقته».

عمليا، الحريري وكل طاقمه القريب منه، يعلمون بأن ثمّة شهادات موثقة لكل الشهود أمام المحققين سابقا وموقعة منهم، بينها إفادة النائب جنبلاط، وهي تبصم على أجزاء أساسية مما سبق ان رواه النائب مروان حمادة أمام المحكمة عن كواليس ما كان يدور بين رفيق الحريري وبشار الاسد. وبالتالي سيكون هناك حدود لاجتهاد جنبلاط في إخفاء معالم بعض الاحداث. كل القصة ستكمن في مدى التطابق بين إفادتَي الرجلَين حين يحين أوان «البيك» للادلاء بدلوه.