IMLebanon

الحريري بعد لاهاي… وداوني بمن كان هو الداء!

 

لا جواب واضحاً ما اذا كان سعد الحريري سيُحسد اليوم على وقوفه على منبر محكمة لاهاي مستمعاً إلى الحكم النهائي في جريمة اغتيال والده رفيق الحريري التي وقعت في 14 شباط 2015، أم لا. هو اليوم المنتظر منذ أكثر من 15 عاماً. لحظة وقوع الزلزال السياسي الأول منذ انتهاء الحرب الأهلية وقيام اتفاق الطائف بنسخته الأساسية، وتلك المطبقة.

 

ولكنّه أشبه بـ”سؤال المليون”: هل سيروى غليله حين تُتلى على مسامعه حيثيات الحكم ومقتضياته، متهماً كما هو متوقع، أربعة من قيادات “حزب الله” بارتكاب جريمة العصر؟ أم ستزداد تحدياته وأزماته؟ هل هي لحظة “الثأر السياسي” المؤجلة منذ سنوات والمعلّقة على حبل ربط النزاع مع “الحزب”؟ أم أنّ لكل زمان مقاله وأحكامه؟

 

إنّها سطوة الصدف الغريبة التي تحكمت كثيراً بمسار السياسة في لبنان. وها هي “تزرك” نجل الشهيد في مربع تناقضات صعبة: قلبه على حكم سيضعه بمواجهة مع “حزب الله”، لا مكان للرمادي فيها… وعقله على سراي سحب بنفسه بساطها من تحت قدميه حين استسلم لشارع منتفض ولشروط استحالة عودته في تلك اللحظة، فيما يأمل راهناً أن يكسر شيئاً من حدّتها لكي يتمكن من دخول “النادي الذهبي” من جديد… فيما العالم من حوله يضع الخريطة اللبنانية على مختبر التجارب العابرة للاصطفافات الاقليمية.

 

يصل الحريري لاهاي بينما طائرة المشاورات الحكومية الباحثة عن خليفة لرئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب لم تقلع بعد. وضعها الموفدون الغربيون وفي طليعتهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ووكيل وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل على مدرج الإقلاع، لكن تعقيدات المشهد الداخلي وتناقضات مكوناته، تحول دون انطلاق المحركات.

 

قبيل ساعات قليلة من النطق بالحكم، يعود رئيس “تيار المستقبل” إلى الواجهة الحكومية. يعود هذه المرة محصناً بفشل تجربة سلفه. هو الأوْلى بالسؤال عن موقفه من العودة إلى السراي طالما أنّه لا يزال رجل السنّة الأول، بعدما أثبتت تجربة حكومة اللون الواحد عجزها في مواجهة اخطبوط مصالح المنظومة السياسية، ولو غطى بعض التكنوقراط من عيب نقص دسمها السياسي.

 

السؤال الأهم الذي يؤرق ذهن الحريري في هذه الأيام، مفاده: كيف يمكن الموازنة والمواءمة بين جملة تحديات تواجهه في “عامه الـ15” من مسيرته السياسية؟ أبرزها:

 

– ترتيب العلاقة مع المملكة السعودية التي يفترض أنها أعادته إلى تحت مجهرها من خلال الحكم القضائي في جريمة اغتيال رفيق الحريري، ورصد سلوكه حيال استحقاق مفصلي قد يقلب المشهد اللبناني رأساً على عقب، خصوصاً وأنّ رئيس “تيار المستقبل” لا يزال حتى اللحظة يرفع سقف شروط عودته إلى السراي على نحو لا يتناقض مع الرؤية السعودية للملف اللبناني.

 

– التصدي لحملات المزايدة التي تواجهه سواء من ذوي القربى العائلية أو السياسية، حيث يُنتظر أن يشهد الشارع السني لا سيما في الشمال والبقاع بعض التحركات الاحتجاجية على وقع الحكم القضائي بشكل قد يزيد من احراج الحريري أمام ناسه وبيئته كونه سيكتفي بإلقاء خطاب ينتظر أن يشدّ فيه العصب من دون أن يفقد اعتدال الحريرية السياسية، ومن دون اللجوء إلى مفردات التحدي أو المواجهة. لكنه بالنتيجة لن يحتكم الى الشارع ولذا طلب منذ أكثر من أسبوعين من كل قادة الأجهزة الأمنية تحمل مسؤولياتهم في ضبط الشارع والحؤول دون تفلته، خصوصاً وأنّ انفجار المرفأ رفع من منسوب الغضب بوجه “حزب الله” في ضوء الحملات التي تقودها بعض القوى السياسية محملة “الحزب” مسؤولية ما حصل تحت عنوان احتمال وجود مخازن أسحلة أو تعرض المرفأ لضربة اسرئيلية أو حتى اهمال الحكومة المحمية من “حزب الله” على نحو مباشر.

 

– العودة الى السراي الحكومي بما يعني ذلك عدم اضطراره الى بناء جسور تفاهمات لا بدّ منها مهما اشتدت رياح العواصف الخارجية. وعليه، فإنّ الخيار الصدامي مع “حزب الله” فيما لو تماهى معه، سيقطع أمامه طريق العودة من جديد. ولذا لا بدّ من دروب أقل وعورة وصعوبة. وبعدما وضعت رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر” الحريري على لائحة “العقوبات البرتقالية”، بات الممر الإلزامي لاستعادة الكرسي الثالثة، من خلال الثنائي الشيعي، وحده من دون سواه من الحلفاء أو الخصوم. وهنا قمّة المفارقات.

 

حتى الآن، لا تخرج سيناريوات ما بعد الحكم عن سياق التوقعات المرصودة من جانب خصوم “نجل الشهيد”، وهي بنظرهم قيد السيطرة. ولكن هل سينجح الحريري حيث تم افشاله قبل ستة أشهر فيما يبدو أنّ الحكم النهائي للمحكمة الدولية سيزيد من الأعباء الملقاة على كتفيه؟ أم أن تدويل الأزمة الحكومية هو الذي سيمنحه طوق النجاة؟