أطلقت عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت حيوية لافتة في وتيرة الحياة السياسية الغارقة في روتين متراكم يزيد ثقل الفراغ الذي يهيمن على الدولة ومؤسساتها، وأحيت روزنامة لقاءات الحريري واجتماعاته الحركة السياسية المشلولة.
أحد زملائنا الصحافيين سجل ملاحظة ذات دلالة، بقوله انه لمس أول من أمس اهتماماً عند الديبلوماسيين بما كان يجري في “بيت الوسط” اكثر من اهتمامهم بما كان يجري في مجلس النواب الذي فشل مرة جديدة في انتخاب الرئيس، ولم يكن الخبر ما هو عدد النواب الذين حضروا ولا ماذا قالوا وكيف علّقوا، بل ماذا دار بين العماد ميشال عون وسعد الحريري خلال “العشاء السري” في “بيت الوسط”، الذي صادف احتفال عون بميلاده، وكم شمعة أطفأ عون، شمعة واحدة او ثمانين، وكيف كان طعم “التحلية السياسية” وهل كان فيها مذاق يتصل بالموضوع الرئاسي!
ولكن في العشاء السري الكلام أمانات والشاطر يفهم، وخصوصاً اذا تذكرنا ان الدكتور سمير جعجع كان له أيضاً عشاؤه السري مع الحريري قبل عون، لكن الحريري في النهاية لا يحمل إلهامات مار مارون وهو يحاذر الفصل بين الأبيض والأسود في مسألة الرئيس الماروني، ومن المؤكد انه يتمسك بما سبق له ان ابلغه لعون، من انه معه عندما يتفق عليه الموارنة رئيساً عتيداً، ثم انه لا يريد التشويش على الحوار الحثيث بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”… وقاديشات آلوهو.
مع تقاطر السياسيين والديبلوماسيين والمراجع الروحية والمسؤولين الأمنيين الى لقاء الحريري سيطرت أخبار “بيت الوسط” في الايام الماضية على صفحات الصحف ونشرات الأخبار، وقد زاد منها بالطبع جلسة الحوار السادسة لمدة ساعتين ونصف ساعة بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، التي عقدت في ضيافة الرئيس نبيه بري، الذي يقيم أيضاً خليّة مرجعية ناشطة في عين التينة، مع ان بعض الظرفاء يتساءل من أين له كل هذا الصبر على الاستماع في ديوانية كل يوم أربعاء؟
اذا كان الفراغ يهيمن منذ ٢٧٣ يوماً على الرئاسة، التي صارت كما سبق لي ان قلت، أشبه بلعبة باصرة بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، واذا كانت الخلافات المتصاعدة داخل الحكومة المنقسمة حتى على آلية عملها قد عطّلتها أو تكاد، بعدما صار كل وزير فيها يحسب نفسه لويس الرابع عشر، ما يعرقل اتّخاذ القرارات رغم ان البلد على كف فرقة كبيرة من العفاريت… ثم اذا كان مجلس النواب مغيّباً على خلفية الانقسام الجذري في البلاد الذي يتركّز الآن على عملية الاستحقاق الرئآسي، فان من الطبيعي ان تطلق عودة الحريري هذه الحركة الناشطة سياسياً وديبلوماسياً!