وحده اللقاء – القمّة الذي جمع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالوزير السابق جبران باسيل، أخرج يوم الاستشارات غير الملزمة من كادره الكلاسيكي الممل. “نكّهه” ببعض البهارات و”المطيّبات”، خصوصاً لما تبيّن أنّ الرجلين سرعان ما كسرا جبل الجليد الذي تكوّم على طريق بيت الوسط – ميرنا الشالوحي. فاستعادا فوراً ذلك التناغم في التعاطي وتبادل الرسائل، التي بدت بالأمس ايجابية بامتياز.
بالأمس، ثبت بالوجه الشرعي أنّ التواصل المباشر بين الحريري وباسيل مقطوع منذ مدّة، كذلك شعر بعض نواب “تكتل لبنان القوي” أنّ رئيس الحكومة المكلف ليس في صدد ضرب موعد قريب للقاء مباشر يجمعه بالجالس قرابته، بعد طول فراق… ولا الأخير أبدى رغبة في ذلك. الاثنان تركا الطابة عند رئيس البلاد، بصفته الضامنة والشريكة.
ثلاث ملاحظات أساسية ميّزت لقاء الحريري مع “تكتل لبنان القوي”: الأولى هي الايجابية في التعاطي من كلا الطرفين حيث ألمح الحريري أمام الوفد أنّه سبق له أن أبلغ رئيس الجمهورية يوم التقاه منذ أسبوعين أنّه على استعداد للتعاون مع كل الأطراف، وقد قصد بذلك الفريق العوني.
أما الثانية فهي الانقلاب الذي نفّذه باسيل من خلال قبوله بمبدأ ترؤس الحريري حكومة اختصاصيين مع تمسكه بشرط وحدة المعيار، بمعنى عدم تمييز أي فريق عن سواه لناحية منحه امتيازات معينة في التسميات، فيما لم يمض أيام على “لاءاته” الرافضة لترؤس سياسي حكومة اختصاصيين.
أما الثالثة، فتجلّت في إشارة الرئيس المكلف أكثر من مرة إلى موقع رئاسة الجمهورية بالنسبة لـ”التيار الوطني الحر” كضمانة له في ما خصّ التأليف، وهذا يعني أنّه لن يكون “مصطفى أديب 2”. وقد لاقاه باسيل إلى منتصف الطريق مبلغاً إياه أنّ “التكتل” سيقبل بما سيقبل به الرئيس.
أمّا غير ذلك، فكان كلاماً شبيهاً لما أبلغه الرئيس المكلف لكل النواب الذين التقاهم أمس. تولى الحديث عن مفاعيل الانهيار وتداعياته وشرح التحديات وأهمية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، طالباً التعاون من الجميع لوقف التدهور. تحدث عن المبادرة الفرنسية بكونها آخر الحلول المتاحة وأوحدها. أعاد التأكيد أنّ المسؤولية جماعية ولو بنسب متفاوتة، مشيراً إلى أنّ امكانية الانقاذ متاحة لكنها بحاجة إلى جهود كل الأطراف.
رفض الخوض في تفاصيل التأليف أو آلياته، لكنه في المقابل تحدث عن دور الكتل في مجلس النواب، ولم يطلب من أيّ ممن التقاهم أن يحضّر ترشيحات أو أسماء للحكومة العتيدة. هذا على مستوى الوقائع التي اختزلت يوم الاستشارات الطويل. أما على مستوى التقديرات، فلا بدّ من الإشارة إلى الآتي:
صحيح أنّ الحريري قام بما لم يقم به من قبل لكي يضمن عودته إلى السراي بما في ذلك اضطراره للتضحية بأصوات أكبر كتلتين مسيحيتين، لكنه بالنتيجة يغامر بكل رصيده. يلعب آخر جولاته، كما المشهد السياسي، كما البلد برمّته. فإمّا يتمكن من اجتراح معجزة تؤجل الانفجار أو تبعده، وإمّا سينفجر البركان بما حمل.
هذه المشهدية تثبت أنّ الحريري لا يناور في محاولته هذه. يقودها وهو يحمل كرة لهيب ستحرقه حتماً اذا لم يتمكن من إنجاز مهمته في وقف الانهيار بالحدّ الأدنى. كذلك هي حال بقية القوى السياسية التي تواجه مصيراً سوداوياً اذا لم تتعاون في لجم التدهور.
رئيس “تيار المستقبل” أمام امتحان صعب. ولهذا يعوّل على مساندة القوى السياسية وعلى ضوء برتقالي دولي قد يخفف من وطأة الضغوطات ويسمح بولادة حكومة مقبولة خارجياً، وهذا ما حاول إبلاغه لمن التقاهم أمس تمهيداً لانطلاق قطار المشاورات غير الرسمية التي يعرف الجميع أنّ دربها مزروعة بالألغام.
ويفترض وفق المعلومات أن تكون الانطلاقة اليوم السبت من قصر بعبدا حيث يلتقي رئيس الجمهورية لوضعه في الخطوط العريضة لحراكه الحكومي. ويفترض أن يشمل النقاش نقطتين أساسيتين: عديد الحكومة وآلية تسمية الوزراء. والنقطة الأخيرة، سيحاول رئيس الجمهورية فكّ أحجيتها ليفهم من الرئيس المكلف القواعد التي سيضعها للتأليف، وكيف سيختار الأسماء.
وقد استبق “حزب الله” الجولة الجدية من الكلام بتأكيد رغبته في حكومة موسعة، ليتلاقى بذلك مع خيار رئيس الجمهورية، ما يعني أنّ احتمال “زمّ” الحكومة إلى 14 وزيراً صار صعباً.
هكذا، بلمح البصر طغت الايجابية على يوم الاستشارات الطويل… والتي لا تفسّرها إلا رواية متداولة في الأوساط السياسية عن مسعى قاده” حزب الله” بين الحريري وباسيل ليل الثلثاء الماضي. وفق الرواية، أبلغ “الحزب” رئيس “تيار المستقبل” بأنّه لن يسمّيه لكنه في المقابل سيؤمن له أصوات الكتلة القومية وصوتين سنيين (جهاد الصمد وعدنان طرابلسي)، بالتوازي مع تأمين “تخريجة” لائقة تنزله وباسيل عن الشجرة: يفتح الحريري أبواب التشاور مع رئيس “التيار” على قاعدة تبادل أسماء من الاختصاصيين كما سيحصل مع الثنائي الشيعي والحزب “التقدمي”، مقابل تأمين تغطية “التيار” السياسية ليكون شريكاً في الحكومة بواسطة وزراء غير حزبيين. وهذا ما يفسّر قبول باسيل فجأة بمبدأ تولي الحريري رئاسة حكومة اختصاصيين.
أما مسألة الحقائب وتوزيعها، ففيها ما يكفي من شياطين ما قد يدفع الرئيس المكلف إلى تجرّع أكثر من “كأس سمّ”! وحقيبة الطاقة نموذجاً حاضراً.