في كل مرّة تصل الأزمات في لبنان الى مآزقها وأبوابها الموصدة، يبدأ الحديث عن عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، في محاولة لإنتاج تفاؤلٍ ما، بإعتبار انّ الزعيم الشاب هو عنوان الأمل والتفاؤل.
لكن، من خلال التدقيق في هذا الكلام، يتبيّن ان ابعاده تعني فشل الطبقة السياسية وسقوطها في امتحان الإنقاذ وأنها تعوّل على عودة الرئيس الحريري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
***
في تسويق هذه العودة يتبيّن أنّ هناك نوعاً من الظلم يقع على الرئيس الشاب، للأسباب التالية:
أولاً: إنّ عملية الإنقاذ ليست مسؤولية فرد، أياً تكن طاقته وقدرته، بل هي مسؤولية جماعية تتولاها السلطة التنفيذية من حكومة مجتمعة، إلى رئيس جمهورية موجود، الى مجلس نواب فاعل، إلى إدارة ديناميكية وفاعلة. فمَن وما هو موجود مِن كل هؤلاء؟
لا رئيس جمهورية، ولا حكومة عملياً، ولا مجلس نواب فعلياً، ولا إدارة قادرة على الإنتاج. ففي ظل هذا الفراغ، كيف لفردٍ واحدٍ أن يملأ هذه الفضيحة؟
ثانياً: إنّ الحديث عن عودة الرئيس الحريري أو المطالبة بعودته، فيه شيء من الغمز واللمز بأنّ العمل السياسي لا يكون إلاّ من داخل البلد، وفي هذا الغمز أقوى ظلم للرئيس الحريري لأنه يتجاهل ما يقدمه ويعمل عليه وهو في الخارج، ولعلّ أقوى ردّ على هذا الظلم ما سبق وسعى إليه الرئيس الحريري من توفير المكرمة السعودية لمساعدة الجيش في وقتٍ تخلّى الجميع عن هذه المساعدة. في مقابل ذلك، أين مسؤولية الرئيس الحريري في ما جرى ويجري؟
فالحكومة القائمة ليست تيار المستقبل أو 14 آذار، بل هي حكومة إئتلافية فيها من قوى 14 آذار ومن قوى 8 آذار ومن التيار الوطني الحر ومن المستقلين، فكيف يُلام شخصٌ واحدٌ أو يُحمَّل شخصٌ واحد المسؤولية فيما تَحمُّل المسؤولية واقعٌ على الجميع؟
***
ولعلّ أكبر أزمة مستفحلة هي أزمة النفايات، فأين كان كل هذا الإئتلاف الحكومي منذ 17 كانون الثاني من هذه السنة وحتى اليوم؟ ولم يعد ينقص سوى أن يُحمَّل الرئيس سعد الحريري وزر هذه الأزمة!
إنّ خارطة الطريق للإنقاذ معروفة، والرئيس الحريري هو جزءٌ أساسيٌّ منها وليس هو كل شيء فيها، خيوط هذه الخارطة تبدأ من إنتخاب رئيس جديد للجمهورية ثم تنتقل إلى تشكيل حكومةٍ تضع قانوناً جديداً للإنتخابات وتتم المصادقة عليه في مجلس النواب لتجري الإنتخابات النيابية على أساسه مع تقصير الولاية الممددة للمجلس الحالي.
إنّ البيان الوزاري للحكومة الجديدة بعد الإنتخابات يجب أن يُركّز على تفعيل الهيئات الرقابية للبدء من مكان ما في مكافحة الفساد الذي بدأ ينخر في الجسم اللبناني بطريقة خطيرة جداً، فلا إصلاح سياسياً من دون البدء بمكافحة الفساد.