IMLebanon

الحريري وجعجع.. والقفز في الهواء

ما يزال كثيرون من قيادات «تيار المستقبل» تحت وطأة الصدمة السياسية ـ الرئاسية المزدوجة التي تمثلت بمبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية، وترشيح سمير جعجع النائب العماد ميشال عون.

وإذا كان وزير العدل أشرف ريفي قد أخرج نفسه من هذه الصدمة، وعبّر عن موقفه الرافض بغض النظر عما يمكن أن يتركه ذلك من تداعيات سلبية على علاقته مع الحريري وجعجع، فإن «قيادات زرقاء» أخرى تتحصن بالصمت، لكنها تضرب كفاً بكف على الحال الذي وصلت إليه قوى «14 آذار» التي تتنازع اليوم على رئيسين، أحدهما حليف سوريا والآخر حليف «حزب الله»، ضاربة بعرض الحائط عشر سنوات من النضال والشعارات التي ذهبت أدراج الرياح.

يرى أحد قياديي «المستقبل» أن أكثر المتشائمين في نظرته الى قوى «14 آذار» لم يكن يتوقع أن يصل بها الأمر الى هذين الترشيحين «اللذين نشعر معهما أننا نعيش كابوساً، أو حلماً مزعجاً لا نعرف متى أو كيف سينتهي»، لافتاً الانتباه الى أن علاقة الحريري بجعجع اليوم هي في أسوأ حالاتها، وأن استمرارها على هذا الشكل سيجعل «المستقبل» و «القوات» لقمة سائغة في فم القوى الفاعلة في «8 آذار».

يرى قياديون «مستقبليون» استمعوا الى وجهتيّ نظر الحريري وجعجع في ترشيحهما لفرنجية وعون، أن زعيم «المستقبل» حاول منذ البداية السير برئيس «التيار الوطني الحر» وهو أقام له عيد ميلاده الثمانين في بيت الوسط، لكنه جوبه بمعارضة شرسة في حينها من «القوات اللبنانية» والقوى المسيحية المستقلة، فضلاً عن أن السلوك السياسي لعون لم يكن مشجعاً، ولم يعطِ فرصة للحريري لتسويق ترشيحه، فاستمر في مواقفه الحادة تجاه الشارع السني وشهدائه، ولم ينجح في تقديم نفسه كحيادي في الملف السوري وفي الصراع مع إيران.

يضيف القياديون: «إن الحريري، وبعد مشاورات مع الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط، شعر بإمكانية تأمين الأكثرية النيابية لفرنجية الذي يمكن أن يكون الحل، خصوصاً أنه الإبن المدلل لسوريا والحليف الأبرز لحزب الله، وبالتالي فإن التسوية معه وبه يمكن أن تنهي الفراغ الرئاسي».

ويكشف هؤلاء أن الحريري كان يتوقع أن يحتاج التوافق مع فرنجية الى أكثر من ثماني جلسات متتالية، لكنه فوجئ بأن جلسة واحدة كانت كافية، تحدث خلالها فرنجية بكل صدق وشفافية عما يستطيع أن يلتزم به وعما يرفضه جملة وتفصيلاً، وقد وجد الحريري أن ترشيح فرنجية للرئاسة يؤمن استمرارية النظام اللبناني بناءً على اتفاق الطائف، ويمنع أياً كان من تغييره في حال حصلت التسويات المتوقعة في المنطقة.

وبحسب القياديين، فإن الحريري يعتبر أن سقوط الرئيس بشار الأسد هو أمر حتمي، وأن النظام في سوريا في أحسن الأحوال لن يعود كما كان مؤثراً على الوضع اللبناني سياسياً وأمنياً، والظروف ستحتم على فرنجية أن يتحرر من علاقته به، وعندها لن توجد أي مشكلة معه، وهو سيكون من أكثر المدافعين عن اتفاق الطائف الذي يحاول بعض الفرقاء في لبنان نسفه أو تغييره لاكتساب المزيد من الحصص أو الصلاحيات.

أما بالنسبة لجعجع، فيرى القياديون «المستقبليون» أنه جاد في إنهاء الفراغ الرئاسي، وقد اقتنع أن الرئيس المقبل سيكون من قوى «8 آذار»، لذلك كان خياره العماد عون الذي يعتبره أقوى من فرنجية مسيحياً، وأكثر قدرة منه على التحرر من التزاماته السياسية، فضلاً عن أن مصلحة جعجع الشخصية لا يناسبها وصول شخص مثل فرنجية الى الرئاسة.

ويرى هؤلاء أن جعجع واثق من أن «حزب الله» لا يريد إنهاء الفراغ ولا يريد عون للرئاسة، وأن ما قام به سيجعل عون يعمل تحت سقف «القوات اللبنانية»، ويقتنع بأن حلفه مع «حزب الله» لم يشفع له في أن يتبنى ترشيحه، إضافة إلى أن تفاهمهما سيخفف من حالات اليأس والإحباط التي تسيطر على الشارع المسيحي، فضلاً عن اقتناع جعجع بأن عون في الرئاسة سيكون مختلفاً، وهو قد يتخلى عن «حزب الله»، أو يكون أقل حماسة لمواقفه.

ويؤكد القياديون الزرق أن الحريري وجعجع يبنيان موقفيهما على فرضيات هي أشبه بـ«قفزة في الهواء»، وأن توجههما لم يرتقِ الى جزء بسيط من طموح جمهورَي «المستقبل» و«القوات»، لكن في الوقت نفسه فإن المتضرر الأكبر هو الحريري الذي قدّم على مدار عشر سنوات كل شيء الى قوى «14 آذار»، وخصوصاً إلى جعجع و «القوات»، وهو خسر وجوده في لبنان، وتراجعت شعبيته في شارعه ولم يربح الشارع المسيحي، في وقت يسعى فيه جعجع الى تحصين نفسه أكثر فأكثر بتحالف مسيحي عريض، ولو على حساب حلفائه والتزاماته وشعاراته.