يحرص كل من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع على اضفاء الاجواء الايجابية على علاقتهما التحالفية رغم ازمة الثقة التي اصابتها في المراحل الاخيرة، وتفاقمت بعد مبادرة الاول لانتخاب النائب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية.
ويعترف الطرفان ان هذه العلاقة قد اصيبت باهتزازات اكثر من مرة منذ الاختلاف على القانون الارثوذكسي للانتخابات، لكنهما يسعيان سويا الى التقليل من رقعة الخلافات بينهما والتأكيد على «صحة التباين تحت سقف التحالف الاستراتيجي».
ويحاول كل منهما التأكيد ايضا ان هذا الخلاف ليس على حساب وحدة فريق 14 آذار، وانهما ماضيان سويا في المحافظة على سلامة الفريق ومساره في الاطار الوطني العام.
وتعتقد الاوساط المراقبة ان ازمة او اهتزاز الثقة بينهما بعد مبادرة الحريري لانتخاب فرنجية هي الازمة الاوضح وربما الاصعب، لا سيما انها اظهرت الخلاف في التطلعات والمصالح بينهما.
ما هي مآخذ قيادة «القوات اللبنانية» على السلوك الذي انتهجه وينتهجه الحريري في شأن المبادرة المذكورة؟
تقول مصادر مطلعة على اجواء معراب ان المأخذ الابرز هو ان رئيس تيار «المستقبل» لم يتشاور مع جعجع في سلوك هذا المسار، مع العلم ان العلاقة التحالفية التي تربطهما تفرض التنسيق والتعاون في مثل هذا الاستحقاق الاساسي الذي يعتبر استحقاقاً مسيحياً ووطنياً بامتياز.
ووفقا للمصادر فان مبادرة الحريري تجاوزت الموقف الموحد الذي اعتمدته 14 آذار منذ فترة طويلة، وهو سحب ترشيح عون وجعجع لصالح مرشح توافقي خارج الاصطفاف الثنائي في البلاد. وجاءت تسمية رئيس تيار المستقبل لفرنجية لتشكل منعطفاً حاداً يكسر هذا الموقف الموحد، الامر الذي كان يفرض على الاقل ليس التشاور فحسب بل ايضا عقد اجتماع مركزي لمناقشة هذا الموضوع من كل جوانبه كما حصل يوم اعلن الفريق المذكور مبادرته السابقة او موقفه من الاستحقاق الرئاسي.
وتضيف انه كان على الحريري العودة الى حلفائه المسيحيين مسبقا قبل الدخول في بحث هذه المبادرة لان رأيهم في هذا الموضوع اساسي على كل المستويات. وتشير في هذا المجال الى ان «القوات» وقفت يوم بدء مناقشة قانون الانتخاب عند رأي وموقف «المستقبل»، وتراجعت عن القانون الارثوذكسي رغم المكاسب التي يمكن ان تحققها جراء اعتماد مثل هذا القانون.
واذا كان اضطرار الحريري للبقاء في الخارج قد صعّب عقد اجتماعات مركزية شبه دورية لـ 14 آذار، فان التواصل المفتوح يتيح اجراء مثل هذه المشاورات المسبقة قبل اللجوء الى هذه الدعسة الناقصة.
ومن جانبها تؤكد اوساط الحريري انه لم يتفرد يوما بالموقف حيال مثل هذه المواضيع الاساسية، لا بل ان تيار «المستقبل» كان من اول المبادرين الى ترشيح الدكتور جعجع للرئاسة.
لكن ازمة الاستحقاق الرئاسي التي تجاوزت السنة وسبعة اشهر فرضت وتفرض عليه انطلاقا من رؤيته وتوجهاته الوطنية التفتيش عن صيغة مقبولة وتوافقية تخرج البلاد من النفق وحالة الاهتراء التي وصلنا اليها.
وتضيف الاوساط إن الحريري لم يفكر لحظة واحدة بفرض مبادرته على الحلفاء، لا بل حرص منذ بلورتها مع فرنجية على اجراء اوسع جولة تشاور مع مسيحيي 14 آذار وفي مقدمهم جعجع من خلال ارسال وفود من تياره الى معراب اكثر من مرة.
وتقول ان الحريري لم يلجأ الى هذه المبادرة من منطلق شخصي كما يحاول البعض ان يصّور للرأي العام، ولم يعقد صفقة مسبقة في هذا الخصوص. وان كل ما سجل في مسار الاستحقاق الرئاسي وازمته المستعصية فرض اتخاذ هذا الموقف الوطني الذي يستند الى معطيات داخلية وخارجية مشجعة.
واذا كانت اوساط الحريري مستمرة في التأكيد على جديّة المبادرة واهميتها وفرص نجاحها فان بعض نواب واعضاء تياره مستمرون في التقليل من حجمها ووصفها بأنها مجرد صيغة مقترحة، الامر الذي يطرح التساؤل حول خلفية مواقفهم اكانت لاحتواء الاعتراض «القواتي» والتخفيف من وطأته ام انها تندرج في اطار التباين داخل تيار «المستقبل».
لكن رغم هذه الصعوبات والمواقف المشوّشة فان الحريري عازم على المضي في مبادرته بكل عزم وجدية باعتبار انها ليست «صناعة شخصية» بقدر ما هي تعبير ايضا اولاً عن رغبة وارادة المملكة العربية السعودية وثانيا عن صيغة حلّ ملائمة للخروج من نفق ازمة الاستحقاق الرئاسي وتوفير المناخ المناسب لعودته الى رئاسة الحكومة وخلق توازن بالحكم في المرحلة المقبلة.
ومع ان ازمة الثقة المهزوزة بين الحريري وجعجع لم تتبدد بعد الاّ ان الجانبين يحاولان حصرها واحتواءها في الحدود الممكنة وهما حريصان ايضا على التمسك بوحدة 14 آذار كل على طريقته.
وقد شكلت مناسبة ذكرى اغتيال الوزير محمد شطح تأكيد كل منهما على استمرار هذا الفريق والوفاء لديمومته، لكن اللافت الاختلاف في الطريقة والتعبير عن ذلك. فالحريري نجح من خلال الحركة الناشطة التي اجراها بواسطة معاونيه ان يستلم زمام المبادرة في تأكيد قيادته لهذا الفريق خصوصا بالتواصل مع القوى المسيحية وتحسين توافقه معها في مقاربة مبادرته. اما جعجع فيحاول ان يؤكد انه «ام الصبي» وانه اللاعب الاساسي لديمومة 14 آذار ومسيرتها… وهذا ما فعله بانتقاله من معراب الى قلب بيروت للمشاركة في احياء ذكرى اغتيال شطح.