بعد المواقف الأخيرة التي أطلقَها الرئيس سعد الحريري، أصبح في متناوَل الرئيس نبيه برّي استعدادُ الطرفين للحوار، «حزب الله» وتيار «المستقبل»، بانتظار أن يكملَ تحضيراته لدعوتِهما إلى لقاء في «عين التينة» أو في المجلس النيابي.
حتى الآن، لا جديد يضاف إلى ما وصلت إليه المواقف في موضوع الحوار. «حزب الله» يلتزم الصمت ويكتفي بما قاله أمينه العام السيّد حسن نصرالله في خطاب التاسع من محرّم، أمّا دوائر «المستقبل» فبدأت بتحضير «البيئة» والشارع لنقلةٍ جديدة في العلاقة والتعاطي الداخلي.
كان واضحاً ما يريد قوله الحريري. كلّ الكلام عن إيران وسوريا والرئيس بشّار الاسد وتأكيد الاختلاف مع «حزب الله» في ملفات عدّة، كان مقدّمةً ليقول جملة واحدة: أريد أن أتحاورَ مع الحزب.
حتى الآن تخلو الدعوة الى الحوار من الملفات الخلافية الجدّية، خصوصاً أنّه سينطلق بلا شروط. لن يكون سلاح «حزب الله» أو مشاركته في القتال في سوريا على «جدول أعمال» أيّ لقاء بين ممثّلين عن الحزب والتيار.
بالنسبة إلى «حزب الله» كلّ تقارب وتفاهم وتهدئة يخدم البلد والاستقرار والسِلم الأهلي. عندما يتحدّث أحدُ مسؤولي الحزب أمامَك عن أولوياتهم هذه الأيام في لبنان، ستكون مفردات التعايش والحفاظ على أمن البلد والانتظام العام في مقدّمة الطرح والطموح، إضافةً إلى ملفّ رئاسة الجمهورية.
في المقابل، ما هو طموح «المستقبل» والحريري جرّاء الحوار الآن مع «حزب الله»؟
إضافةً إلى ما هو معلن عن النيّة في تحريك ملف رئاسة الجمهورية، يبدو أنّ رئيس «المستقبل» يطمح لأن يأخذ تعهّداً أو قبولاً في شأن رئاسة الحكومة، وهو يعلم أنّ الطرفَ الاكثر قدرةً على إقناع الآخرين في فريق «8 آذار» بذلك هو «حزب الله».
بعد خروجِه من رئاسة الحكومة بالشكل الذي كان على أبواب البيت الأبيض وقبيلَ لقائه الرئيس الاميركي باراك أوباما عام 2010 جاءت أحداث عام 2011، وانطلقَت الأزمة السورية، وراهنَ رئيس الحكومة السابق على تغيير إقليمي وسوري جذري يُعيده رئيساً للحكومة بفعل الواقع وموازين القوى الجديدة.
مرّت أعوام ثلاثة على هذه الأزمة، وبدا أنّ انتظار «سقوط النظام» في سوريا ضربٌ من المغامرة، وجاء مَن يهمس في أذن السعودية والحريري بضرورة الحَدّ من الخسائر انطلاقاً من لبنان، وبهذا السياق تألّفَت حكومة الرئيس تمام سلام التي سمّاها الحريري في لقائه الأخير، حكومة «ربط النزاع مع حزب الله».
الواقع الإقليمي والمحلي لا يبدو أنّه يتيح تغييراً جوهرياً يجعل عودة الحريري الى السلطة نتيجة انقلاب موازين القوى. والمشهد الممتد منذ تأليف حكومة سلام قد يمتد ويطول الى أن تنضجَ ظروف تتيح انتخابَ رئيس جديد للجمهورية وتكليفَ آخر لرئاسة الحكومة العتيدة في العهد الجديد.
إنتخاب رئيس للجمهورية وحدَه ليس كافياً بالنسبة إلى الحريري و»المستقبل». ثمّة تتمّة موجودة في عقل الرجل، وهي في مكان ما واقعية أيضاً: لماذا لا يكون الرئيس سعد الحريري رئيساً لحكومة «ربط نزاع» مع «حزب الله»؟ طالما إنّ النزاع في المنطقة يتّخذ أشكالاً متعدّدة، وقد يطول نحو فترة مفتوحة سيظلّ فيها لبنان ضمن إحاطة إقليمية ودولية تمنع السقوط والانفجار.
هذا الطموح مشروع، والجميع يعترف أنّ الحريري يمثّل «الشرعية» في بيئته والشارع الذي يمثّله، لكنّ السؤال الذي يقفز هنا: لماذا لا ينسحب ذلك على رئاسة الجمهورية؟ ومتى تصبح أبواب قصر بعبدا مفتوحة أمام الرجل القوي في بيئته المسيحية؟