يطرح الانفجار الكبير في اليمن علامات استفهام جديدة حول مسار الحروب والازمات التي تجتاح البلدان العربية ومنها لبنان.
ومما لا شك فيه ان هذا التطور الخطير الناجم عن اشتعال نيران الحرب على الجبهة اليمنية سيكون له تداعيات عديدة على المنطقة بأسرها، خصوصا اذا ما دخل فرقائها في حرب برية يصعب التكهن بحجمها وامتداداتها.
وكالعادة فقد فرض هذا الحدث نفسه بقوة على الساحتين الاقليمية والدولية، وزاد من الاثقال التي يمكن ان تؤثر على لبنان واستقراره… من هنا تسارعت في الساعات الماضية الاتصالات على ارفع مستوى مركزة على محورين اساسيين:
1 – الاتفاق على الموقف الرسمي اللبناني في القمة العربية تجاه الوضع اليمني، خصوصاً في ظل تباين الآراء بين الاطراف السياسية المكونة للحكومة.
ووفقاً لمصادر موثوقة فقد انتهت هذه المشاورات المكثفة خارج جلسة مجلس الوزراء الى تعديل في الوفد المرافق للرئيس تمام سلام تفادياً لأي التباس او اشكالات في القمة، كما جرى الاتفاق على ان يتخذ لبنان موقفاً مشابهاً للذي اتخذه في قمم سابقة تجاه الازمة السورية، وذلك باعتماد النأي بالنفس.
وتقول المصادر ان هذا الموقف لن يشكل احراجاً للبنان على مستوى القمة، فهناك نموذج سلطنة عمان التي نأت بنفسها عن الدخول في تحالف الدول العشر الذي تقوده السعودية بالتنسيق مع الولايات المتحدة الاميركية ودول غربية اخرى،كما انها انفردت في موقفها هذا عن باقي دول الخليج انسجاماً مع وضعها وموقفها التقليدي الذي كانت اتخذته ايضا تجاه الازمة السورية.
وتضيف هذه المصادر ان لبنان بغنى عن اقحام نفسه في هذه المشكلة، طالما ان النأي بالنفس يوفر عليه الوقوع في احراجات خارجية او السقوط في فخ المزيد من التأزم الداخلي الذي من شأنه ان يؤدي الى اهتزاز الاستقرار في البلاد.
2 – تأكيد الاطراف الاساسية على المضي في نهج الحوار الدائر بين «حزب الله» وتيار المستقبل على القاعدة التي انطلق منها وهي:تحصين الاستقرار الداخلي، ونزع فتيل كل عوامل التشنج والفتنة الداخليين.
وتشير المصادر في هذا المجال الى الفقرة التي وردت في بيان الرئيس سعد الحريري امس الذي خصصه لتأييد الموقف السعودي تجاه اليمن، وهي الفقرة التي تناولت الوضع اللبناني حيث شدد مرة اخرى على الاستمرار بالسير في الحوار تحت العناوين المذكورة والمعروفة.
ولفتت الى كلام الرئيس نبيه بري منذ يومين وعبارته الشهيرة بأن «الحوار صامد، صامد، صامد»،في اشارة حازمة بأن هذا الحوار لن يتأثر بأي تشويش داخلي او تطورات خارجية.
ووفقاً لقراءة اولى لما يجري في اليمن، تقول مراجع سياسية بارزة ان هذه التطورات المتلاحقة تنذر بنتائج خطيرة على مستوى المنطقة، ومن الطبيعي ان يعيش لبنان ويتأثر بهذا الانفجار، غير ان ذلك لا يعني اننا لا نملك القدرة على الاستمرار في السعي الى تحصين ساحتنا وزيادة مناعتها على مستوى الاستقرار العام، مشيرة الى انه رغم التأثير المباشر لتداعيات الوضع السوري على لبنان فقد استطعنا ان نحتوي قدر الامكان هذا التأثير من خلال ترجيح كفة الحوار على الصراع، وظهرت نتائج ايجابية مباشرة على الارض بعد ثماني جلسات حوارية رغم كل الصعوبات والمعوقات التي ظهرت وتظهر بين وقت وآخر.
وبرأي المراجع ان اصدار الرئيس الحريري بياناً مؤيداً للسعودية في تدخلها مع الدول التسع تجاه اليمن، ثم صدور بيان عن حزب الله يدين هذا التدخل لا يؤثر على المناخ العام خصوصا كما هو معروف ان مواقف مماثلة من الطرفين واطراف اخرى صدرت سابقا تجاه الوضع السوري وبقيت الامور في اطار الاختلاف السياسي حول مثل هذه التطورات الاقليمية والعربية.
وتضيف المراجع ان النهج المتبع في التعاطي مع مسلسل الحريق المشتعل في المنطقة يخفف من وطأة تداعياته عليها، وان لبنان قادر على اجتياز امتحان تأثيرات الحرب اليمنية من دون اي مضاعفات على الارض والاستقرار العام في البلاد.
وتعوّل هذه المراجع مرة اخرى على نتائج المفاوضات حول الملف النووي الايراني بين طهران وواشنطن، لا سيما ان المعطيات المتوافرة حتى الآن هي معطيات ايجابيةبشكل عام رغم الضرر الذي اصاب مسار هذه المفاوضات بعد نجاح الجمهوريين في انتخابات الكونغرس وتزايد الضغوط الداخلية والخارجية على ادارة الرئيس اوباما.
وترى ان تكريس الاتفاق النووي الذي يرجح ان يكون قد انجز منذ المحادثات التي جرت في سلطنة عمان، سيكون له تداعيات ايجابية على المنطقة.