IMLebanon

الحريري وسرُّ كلامه بلغة النّاس

 

للمرّة الاولى في تاريخ لبنان الوطن، تتمدّد زعامة قيادة وطنيّة إسلاميّة قولاً وفعلاً من بيروت العاصمة، الى صيدا وأقاصي الجنوب في شبعا المتّكئة على سفح جبل الشيخ، وبلدات العرقوب والى البقاع وأعالي بلداته في عرسال، والى جبل لبنان واقليمه المزهو بزيتونه والرمّان، والى محافظة عكّار المنسيّة بوادي خالد وأعالي جبال أكروم وفنيدق، وجوارها، وسهل عكّار الأخضر، الى العاصمة الثانية لوطن الأرز طرابلس وأقضيتها، كانت جولات الرئيس سعد الحريري ولقاءاته وزياراته ليلاً ونهاراً مع النّاس خلال أيام قليلة، وهذا لم يحدث في تاريخ لبنان، قيام قيادة جامعة بزيارة وتفقّد هذه المناطق، في هذا الوقت القصير من عمر الزمن سواءٌ كان ذلك في استحقاق انتخابي أو غيره.

هذه الزيارات واللقاءات لم يحدث أن تجرّأ زعيمٌ أو قيادي غيرالحريري على القيام بها رغم المخاطر العديدة وكثرة المتربّصين والحاسدين، وربما الحاقدين على المشروع الوطني الّذي يقوده الحريري والّذي كان سبباً رئيساً في استهداف واغتيال الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، قبل سنوات.

والسؤال الكبير الّذي يطرحه المراقب والمتابع لهذا الحدث الاستثنائي، كيف تمكّن الحريري وقرّر وأنهى زياراته وجولاته الجماهيريّة من بيروت وعلى مساحة الوطن والعودة الى العاصمة لاستكمال جولاته على رغم التحذيرات الأمنيّة المتعدّدة التّي تلقّاها والمخاطر الجمّة الّتي من الصعب تداركُها في ظلّ النزاع المحموم على السّاحة اللبنانيّة بين قوى ومشاريع متعدّدة، بعضها له امتدادات إقيليميّة ودوليّة في ظل لعبة الأمم الدّامية الحارقة لساحات متعددة لدول الجوار العربي.

ساعات عدة وطويلة قضاها النّاس انتظاراً في كل المناطق الّتي زارها الحريري من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال ليلتقوا بالزائر الكريم القادم اليهم، وليسمع منهم الكثير، ويُسمعهم القليل من الكلمات النّابعة من القلب والعقل والموضوعيّة، قليلة هي الكلمات الّتي قالها الحريري في كل محطة أو لقاء أو زيارة لكن كانت مجمل كلماته تتمحور حول «الصدق والأمانة والوفاء» وعن جروحه النازفة من الّذين طعنوه على رغم ثقته بهم، وعن العطاء والاعتدال والوسطيّة والعيش الواحد وسيادة لبنان وعروبته، وعن ضرورة كثافة الاقتراع لمرشحي «المستقبل» لينتصر لبنان، مبشّراً الشبان والشابّات بـ«مستقبل واعد» لهم، فبهذه الكلمات القليلة والصّادقة كان الحريري هو الأقرب الى قلوب الناس وعقولهم ومشاعرهم من بقية القيادات وأصحاب النظريات والايديولوجيّات الّتي سقطت أمام الواقعيّة السياسيّة، والحاجة الأخلاقيّة للأمن الاجتماعي والغذائي للناس.

سرّ الحريري انّه كان يتكلّم بلغة النّاس فأحبه النّاس، بلغة النّاس الطيّبين في القرى والبلدات والبيوت والمنتديات، فعشقه المواطنون لهذه الصراحة ولهذا الصدق، هكذا كانت حاله مع مسلمي وادي خالد وفنيدق، ومسيحيي القبيّات وجبرايل في عكار، ومع مسيحيي الكورة ومسلميها، ومع طرابلس وعلمائها وأحبارها، ومع رجالات المنية والضنّية الوفيّة، لم يكن المال دافعهم كما كان يروّج البعض، ولم تكن المغانم والمصالح تشدّهم على رغم إشاعات الآخرين.

فظاهرة الزعامة الشعبيّة للحريري في لبنان، تستحق التأمّل والدرس، وتتطلّب إعادة موضوعيّة وعلميّة لقراءة الواقع السياسي والاجتماعي والنفسي للمجتمع اللبناني الّذي فهمه الحريري بالفطرة واكتشفه بصدقه مع نفسه ومع النّاس ومع الأكثريّة المطلقة للمواطنين الّتي التقى بها والتقت به.

كثيراً ما كان الحريري يتجاوزحرّاسه وأمنيّيه فيبعدهم قائلاً «أنا بين أهلي وإخواني فلا تخافوا عليّي»، وينشدّ الى النّاس، ويقبّل رؤوس الكبار والصغار، ويصافح كل مواطن بمحبّة وتواضع وبابتسامة عريضة لا تفارقه على رغم الإرهاق الّذي لازمه وصور (السلفي) الّتي أنجز بعضها ووعد بعشرات الآلاف منها وهو يتأمّل مع النّاس ضوء القمر في سهل عكّار ويقول للنّاس: «أنتم أهل العطاء، كعطاء قمركم، وعطاء سهلكم الأخضر»…

أيّام قليلة قضاها الحريري متنقّلاً في كافة المناطق اللبنانيّة متواصلاً مع القواعد الشعبيّة بلا واسطة أو تقارير سياسيّة أو تنظيميّة تصل اليه بين وقت وآخر للاطّلاع منها على مزاج الرأي العام. فما لقيه الحريري وسمعه يؤكّد أنّ نبضَ الناس وصدقَهم هو الأهم والأكثر وضوحاً وصدقاً، وبلا شك فإنّ المشروع الوطني والعربي للحريريّة السياسيّة الّتي يعمل لها الحريري سينتصر سياسياً وأخلاقياً، لأنّ الحريريّة الوطنيّة هي مشروع النّاس ونبض المواطنين، والمشروع الصفوي الفارسي الّذي يعمل له حلفاء إيران هو معادٍ لمصالح النّاس وسينتهي آجلاً أم عاجلاً، والبقاء على أرض لبنان لن يكون إلّا للناس الطيّبين الّذين يعملون ليلاً ونهاراً مع الحريري والمخلصين من قادة البلاد ليبقى لبنان الوطن، سيّداً حراً عربياً مستقلاً معادياً، للمشروع الصهيوني في فلسطين ورافضاً للنفوذ الإيراني الفارسي في أرض العرب.