كشفت «انتفاضة الشارع» على خلفية «فيديو رومية» المزيد من عورات تيار «المستقبل». فاستمرار غياب رئيسه سعد الحريري وانعدام العمل التنظيمي انعكسا مزيداً من التنافر والتنافس بين القيادات. وجاءت التطورات المرافقة لـ»فضيحة الفيديو» لتؤجّج الصراع بين الوزيرين المستقبليين أشرف ريفي ونهاد المشنوق. وسواء صحّت هذه التحليلات أو لا، فإن ما حصل شكّل «صفعة مزدوجة للمشنوق وللمستقبل معاً ولرصيد التيار الحريري في الشارع السنّي»، على ما تقرّ مصادر في التيار.
«انتفاضة الشارع» ليل الأحد أظهرت الصورة الحقيقية التي طالما حاول تيّار المستقبل تلوينها: الشارع ليس شارعه وحده، ولشخصياته السياسية أجندات مختلفة. وفي مقابل «مشروع الدولة « الذي يكاد التيار يحتكر رفعه، ثمّة من لا يتورّع عن محاولة سحب البساط الشعبي من تحت «المعتدلين»، واستثمار غضب الشارع لأهداف شخصية ضيقة، حتى ولو كانت الحصيلة النهائية تصبّ في خدمة التطرف، على ما أشار إليه المشنوق أمس.
مصادر قريبة من الرئيس سعد الحريري لم تخف «استياءه من تسريب الفيديو ودوافعه أكثر من مضمونه»، لأسباب عدّة، أولها أنه «أعطى فرصة الاستثمار فيه لمن يرى فيه وفي المشنوق عدوين لدودين»، والمقصود هنا رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. وثانياً لأن «الإشاعات عن محاولة ضرب المشنوق بأيادٍ مستقبلية تكثر، حتى استساغها الجميع، حتّى داخل تيار المستقبل».
أين يقف الحريري ومع من؟
بحسب المقرّبين، «لم يظهر الشيخ سعد مرة تفرقة في التعاطي مع وزيريه. لكن للمشنوق وضعاً خاصاً لأنه من المشاركين في صنع القرار داخل التيار». وتذكّر المصادر «بدعم الرئيس الحريري للخطّة الأمنية داخل سجن رومية حتى النهاية، علماً بأن ريفي حاول التشويش عليها أكثر من مرّة». وعن اتصاله بوزيريه في الحكومة، تقول المصادر «مع المشنوق، كان تأكيد على أن وزير الداخلية بالذات يحظى بدعم أعلى الهرم المستقبلي»، أما مع ريفي فإيحاء بأن «لا مجال لتكرار تجربة خالد الضاهر مرّة أخرى».
وبعيداً عن توجيه الانتقادات لما ظهر في التسجيلات، فإن «الحريري مقتنع بأن التسريب هو نوع من تصفية الحسابات لتشويه أي إنجازات تمّت في هذه الفترة».
قد يكون ريفي بريئاً ممّا اتهم به، لكنه «غير بريء» من استثمار ما جرى بحسب مصادر نيابية في التيار، خصوصاً أن «حقنه للشارع في كل مرّة لا يكاد يترك لتيار المستقبل مناصراً واحداً». ومع أن صقري «المستقبل» يقومان بحملة مشتركة لدحض كل المزاعم، إلا أن قراءة ما بين السطور توحي بأن « اللعب صار عالمكشوف». فحين يغمز المشنوق رداً على اتهام ريفي بالوقوف وراء التسريب بأن «التسريب لا يزعزع موقعي بقدر ما يزعزع مؤسسات الدولة، ومنها هذا الجهاز الذي كان ريفي يوماً ما على رأسه» ، فكأنه يقول لوزير العدل «كلّنا في مركب واحد». وحين ينفي ريفي أنه «يغطّي التحركات في الشارع وهو على تنسيق دائم مع المشنوق لمحاسبة الفاعلين، فكأنه يدافع عن نفسه دفاع من قُبض عليه بالجرم المشهود».
ومع أن «التوقيت ليس مهمّاً، ولا حتّى الظروف التي توافرت لإطلاق هذا الفيديو، لكن نتائجه هي الأساس. فهو أولاً سيدفع لتسريع الحل في ملف الموقوفين الإسلاميين، الذي بطبيعة الحال سيتوّلاه ريفي لا سواه، بشكل يستطيع من خلاله إظهار نفسه بمظهر الرافعة، والقادر على امتصاص النقمة». وثانياً، «تسديد ضربة جدّية لوزير الداخلية الذي بات وضعه دقيقاً داخل الشارع السنّي».
لا يغيب عن بال أحد أن مفاعيل الفيديو ستُنسى في الشارع في غضون أيام، وهي مفاعيل سارع المشنوق إلى البدء بمعالجتها عبر اتخاذ إجراءات جدّية بحق «المرتكبين»، لكنها ستبقى أطول من ذلك بكثير داخل تيار «المستقبل»، إذ يبدو أن «حنق» ريفي جعله يسهو عن كون ما يجري سيضرّ بتياره قبل أي طرف سياسي آخر.